انتهى السباق، وبعد ساعات ينتهي الاحتفال بدورة استثنائية لتظاهرة هي الأهم لدى عشاق الفن السابع، «أيام قرطاج السينمائية» التي تختتم مساء اليوم بقاعة الكوليزي بالعاصمة. الدورة 23 للأيام، كانت ايجابية الى أبعد الحدود كما تحدث عنها البعض، لكنها لا تخلو من السلبيات كأي تظاهرة في العالم على حدّ تعبير الأغلبية. لكن ميزة الدورة تلك الحميمية التي تجمع أهل القطاع بهذه البلاد التي أذن أعلى هرم في السلطة بأن تكون سنة 2010 بتونس، سنة السينما وسنة دولية للشباب. هذا الشباب الذي يكاد لا يفارق الشارع الرئيسي بالعاصمة خلال «الأيام» والقاعات ملأى بالمشاهدين في أغلب العروض ومنها الأفلام المدرجة في المسابقات الرسمية قصيرة كانت أم طويلة. يقول الناقد السينمائي التونسي الناصر الصّردي: ميزة أيام قرطاج السينمائية عموما، تتمثل في الحضور الكبير للجمهور، لكن ميزة هذه الدورة تتمثل في الكم الكبير للأفلام القصيرة المعروضة (67 فيلما قصيرا) وهذا مهم جدّا، فمنذ سنة 2008 الى حدّ الآن أنتجنا 90 فلما وبالتالي على مستوى الكم هناك تطور كبير، بيد أنه الآن لا بد من التفكير في الكيف رغم القيمة الفنية الجيّدة لبعض هذه الأفلام القصيرة». وغير بعيد عن السيد «الناصر الصّردي»، عبر المخرج السينمائي الشاب محمد حمّاد (مخرج مصري يشارك في هذه الدورة بفيلم قصير عنوان «أحمر باهت»). عن انبهاره الشديد بالاقبال الكبير للجمهور التونسي على السينما وخاصة الأفلام القصيرة. وقال في هذا السياق: «الجمهور التونسي، اكتشفته لأول مرة في هذه الدورة، لأن هذه هي زيارتي الأولى الى تونس واكتشفت أنّ الجمهور التونسي يحب الأفلام الجيّدة ومثقف سينمائيا وهذا غير موجود بكثرة في بقية دول العالم العربي والافريقي». وأوضح المخرج المصري الشاب، أنّ الأفلام القصيرة التي شاهدها في تونس، جيّدة جدّا وأن المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة بدورها قوية جدّا. لكنه في المقابل اعتبر الأفلام الطويلة المدرجة في المسابقة الرسمية قيمتها الفنية أقل ممّا هي عليه في الأفلام القصيرة. الأفلام نجوم المهرجان كنا نتحدث الى المخرج المصري محمد حماد في نزل افريقيا بالعاصمة، وكان، قبالتنا يجلس المخرج السينمائي والمسرحي التونسي «المنصف ذويب» صحبة رفيق له، يتبادلان أطراف الحديث توجّهنا نحوه وقاطعناه الحديث بكل لطف لنسأله عن تقييمه الخاص لهذه الدورة من تظاهرة «أيام قرطاج السينمائية». ولئن كان ذويب ديبلوماسيا نوعا ما في إجابته، إلا أنه أكد أن نجوم المهرجان (JCC) هم الأفلام المعروضة به، وشدّد في سياق حديثه على أن أهمية هذه الدورة تتمثل في تفتحها على الشباب وفي العدد الهام والكبير للأفلام القصيرة بالاضافة الى الانفتاح على الورشات وثمن ذويب توجه المهرجان نحو المبادرات الجديدة مشيرا الى أن هذه الدورة «نظيفة» وثمّة نضج واضح على حدّ تعبيره. واختتم حديثه قائلا: «المهرجان عمّال يقرب للسينما». وفي نفس السياق، قال الناقد السينمائي الناصر الصّردي: «أول ما يهمني في هذه الدورة الأفلام المعروضة (أكثر من 250 فيلما) وفيها عدّة أفلام ممتازة. وهذا ما يعطي لهذه الدورة خصوصياتها». ونحن نتحدث الى المخرج المصري الشاب «محمد حمّاد»، كانت الى جانبه تجلس الصحفية المصرية نسرين الزيّات، التي بمجرّد مبادرتنا لها بالسؤال. استهلّت حديثها قائلة: «هذه المرة هي الثالثة التي أزور فيها تونس، وأرى أن أيام قرطاج السينمائية. واحدة من أهم التظاهرات السينمائية في العالم العربي لأنها تعنى بالسينما العربية والافريقية». وأضافت محدّثتنا بكل إعجاب: «أشعر وكأن هذا المهرجان تأسس خصيصا للجمهور لأن الاقبال على الأفلام في أيام قرطاج السينمائية لا مثيل له في بقية التظاهرات السينمائية العربية». الصحفية نسرين الزيّات ذهبت أبعد من ذلك،، حين اعتبرت الدورة 23 لأيام قرطاج السينمائية أكثر تميزا من الدورات السابقة التي كانت حاضرة بها، وذلك من حيث عدد الأفلام المعروضة، وحداثتها وعبّرت عن سعادتها بالمشاركة المصرية المميزة في هذا المهرجان. خصوصية عربية افريقية الصحفية المصرية كانت تتحدث باعجاب عن هذه الدورة الى حدّ أنها «توغلت» في الحديث دون أسئلة وقالت: «إن خصوصية قرطاج (تقصد أيام قرطاج السينمائية) تتمثل في تسليط الأضواء على السينما الافريقية التي تتضمن طرحا لقضايا لا نعرفها، فضلا عن السينما العربية. هذا بالاضافة الى المستوى الجيّد للأفلام». وذهبت محدّثتنا الى أبعد من ذلك حين تساءلت أو تمنّت أن تصبح أيام قرطاج السينمائية كل سنة لا كلّ سنتين». ما جاء من أحاسيس ومن إعجاب في تقييم الصحفية المصرية لا يبتعد كثيرا عمّا جاء في تقييم الاعلامية الجزائرية نبيلة رزايق. هذه الاعلامية التي لم تفارق الابتسامة وجهها طوال الأيام. كانت لا تفوّت فرصة لقاء زملائها من تونس وتبادل أطراف الحديث معهم وهي التي صرّحت في حديثها ل«الشروق» شهادتي أنني أعتبر هذا المهرجان مهرجاني.. نعم مهرجاني الممتع.. فيه متعة الجماهير.. ومتعة مناقشة الأفلام ومشاهدتها ومتعة اللقاءات الأكاديمية..». جمهور رائع تسكت محدّثتنا أو زميلتنا الجزائرية برهة، لتواصل حديثها قائلة: «الجماهيرية السينمائية موجودة بقرطاج فقط.. بل هي الأولى في العالم العربي.. وربما الأولى في العالم». وأكدت الاعلامية الجزائرية في سياق حديثها أن أيام قرطاج السينمائية فرصة للقاء السينمائيين الأفارقة والعرب. وكإعلامية ربحت الكثير من الأيام على حدّ تعبيرها، لكنها (والكلام لها) استفادت كثيرا سينمائيا وهي من هيئة تنظيم مهرجان الفيلم العربي بوهران. نقائص وبخصوص سلبيات هذه الدورة، تقول الاعلامية نبيلة رزيق: «أترك الأمور السلبية للصحافة التونسية». قالت هذا الكلام وبجانبنا الصحفية التونسية آمال الهلالي التي اعتبرت أن الأفلام المعروضة في هذه الدورة أقلّ قيمة فنيّا، من أفلام الدورة السابقة. وقالت إنّ الافتتاح لم يكن في مستوى التطلعات وخلصت الى أن التنظيم كان غائبا في هذه الدورة. حفل الافتتاح كان كذلك محلّ نقد من قبل الناقد الناصر الصّردي الذي قال: «سهرة الافتتاح من نقائص هذه الدورة وخاصة عدد المدعوّين الذين لا علاقة لهم بالسينما». تلك هي النقائص من وجهة نظر تونسية رغم أن جلّ محدّثينا ذهبوا الى أن النقائص والسلبيات موجودة بكل التظاهرات الثقافية في العالم. إلاّ أن الصحفية المصرية نسرين الزيّات والمخرج السينمائي المصري محمد حمّاد، علقا على ترجمة الأفلام التي جاءت باللغة الفرنسية وقالا انه كان بالامكان ترجمتها أيضا الى اللغة الانقليزية لأنهما لا يفهمان جيّدا اللغة الفرنسية. ورغم كل هذه النقائص، فإنّ جلّ من التقيناهم في هذه الدورة من أيام قرطاج السينمائية أجمعوا على أهمية ادماج الشباب بالمهرجان، وعلى الاقبال المميّز والكثيف للجمهور التونسي، اقبال قال عنه الناصر الصّردي إنه مميّز من دورة الى أخرى وهو ما يجعلنا نتساءل عن تبريرات غياب الجمهور عن قاعات السينما خارج إطار التظاهرات السينمائية!