1 عندما سئل «غاستون باشلار»: كيف تتصوّر الجنّة؟ أجاب: إنّي أتصوّرها في هيئة مكتبة كبيرة تتراكم فيها الكتب فوق الكتب. قد لا أجد أجمل من هذه الصّورة الفردوسيّة لأصف اللحظات الممتعة التي أقضّيها بين الكتب أتصفح أوراقها، وأشاهد صورها، و أشمّ رائحة حبرها . فأنا لا أقبل على الكتاب لمجرد استهلاكه، كلاّ فأنا استمتع بأخذه بين يديّ بملامسته بمرافقته، بتوريقه ... قد أرجئ قراءته ليوم أو يومين و لكنّي مع ذلك أريده قريبا منّي، فوق منضدتي، أو فوق سريري أو تحت وسادتي. إنّ الكتاب ليس مجرد «أداة»، أو «وسيلة» وإنّما هو «كيان مادي» لا تسعدني قراءته فحسب و إنّما يسعدني وجوده، مجرّد وجوده. لهذا لا أعتبر الكتاب الإلكتروني كتابا إلاّ على معنى المجاز... إنّه «صورة» كتاب أو على وجه الدقّّة «شبح» كتاب... فالكتاب عندي ينبغي أن يشغل حيّزا في المكان، أمدّ يدي فأجده، آخذه، أورّقه، أسمع حفيف صفحاته، و أشمّ رائحة ألوانه. 2 كّلما دخلت معرضا للكتاب تملّكني إحساس قديم جديد: ماذا لو كنت أملك كل هذه الكتب ؟ ماذا لو ملأت بها كلّ غرف منزلي وأوراقه وباحته؟ ماذا لو وضعت بعضها فوق بعض حتّى تبلغ السقف؟ ماذا لو وزّعت عددا منها على جيرتي؟ ماذا لو أخذت بعضها على المدارس؟ ماذا لو وقفت على ناحيّة الطريق أهديها الى السابلة ؟ ماذا لو أصبحت المدينة كل المدينة مكتبة كبيرة، يؤمها الناس من كلّ مكان بعيد يقرؤون كتبها و أسفارها؟. 3 قبل أيام استمعت الى أحد المحاضرين يؤكّد أنّ الكتاب الورقي آيل بالضرورة الى الزوال، والسبب يرتدّ في نظره الى مساحة الغابات المحدودة، والتي لا تحتمل المزيد من القطع من أجل صناعة الكتب ... تركت المحاضر يواصل كلامه فيما مضيت أتخيّل العلم بلا كتب ولا مكتبات ولا أوراق ولا قراء ... لم يسعفني الخيال إلاّ بصورة الرّماد يغطّي كلّ شيء: المدن والحدائق والبحار والشجر... لم يسعفني إلا بصورة الذئاب تتعاوى في كلّ مكان... كدت أن أهتف بالمحاضر أن يكفّ عن الكلام، أن يكفّ عن «التبشير» بهذه النبوءة الخرقاء... لكنّي آثرت الإنسحاب من القاعة لأنفض عن رأسي كوابيس المداخلة و صورها الجنائزيّة المخيفة.