لا تخفي الأوساط السياسية، وكعادتها في مثل هذا التاريخ من كل سنة ومنذ 22 سنة، حالة من الانتظار والترقّب إزاء الخطاب الرئاسي المعتاد إلقاؤه تخليدا لذكرى 7 نوفمبر 1987 وتستمد حالة الانتظار والترقب تلك مشروعيتها وسندها في ما دأب عليه رئيس الدولة، رجل التحوّل، من إعلان لقرارات ولإجراءات ومبادرات بهدف مزيد تعزيز المسار الاصلاحي السياسي، وغيره، في البلاد. والمتتبع لمسيرة التجربة السياسية في تونس على مدار الثلاث والعشرين سنة المنقضية يمكنه أن يقف على حقيقة التطور والنمو الدائم والمستمر لواقع التعددية والديمقراطية من حيث دعم المنظومة التشريعية والقانونية للحريات وحقوق الانسان ومزيد تكريس دعم أحزاب المعارضة ماديا وأدبيا. لقد ارتأت فلسفة التغيير أن تنهج منهجا متدرجا ومرحليا في تنمية واقع الحياة السياسية التعددية، منهجا يراعي خصوصيات مختلف مكوّنات وأطراف العملية السياسية من إدارة وحزب حاكم وأحزاب معارضة، وحافظ ذلك المنهج على استمراريته محققا مكاسب لا يمكن حجبها أو التقليل من مكانتها، ذلك أنها مكاسب أمّنت تعددية على مستوى مختلف المجالس المنتخبة والهيئات الاستشارية مركزيا وجهويا ومحليا، كما أنها مكاسب أوجدت تنافسا سياسيا وانتخابيا تعدديا أكدت آخر المواعيد السياسية والانتخابية أنه تنافس يتجه على الدوام نحو التحسّن والرقي. دون أن نُغفل ما وفّرته تلك المكاسب من تأثيرات إيجابية جدا على المشهد الاعلامي الوطني حيث تتوفر وباستمرار فرص ومجالات وفضاءات للآراء المتعددة والمقاربات المختلفة والبدائل ذات المرجعيات السياسية والفكرية والايديولوجية المتباينة. إنه، وبكل المقاييس، حصاد سياسي تعددي ديمقراطي إيجابي جدا تشكّل عبر عملية مراكمة دورية حرص عليها رئيس الدولة، مراكمة هادئة ورصينة وثابتة هدفت الى إنجاح مختلف خطوات الاصلاح والتغيير دون مجازفة أو تسرّع. وربما تظل سمة الهدوء والتدرّج من مرحلة الى مرحلة، السمة التي طبعت 23 سنة من بناء نموذج ديمقراطي تعددي بخصوصيات محلية، نموذج أكد أنه قادر على هضم مختلف عمليات الانتقال من واقع الى واقع آخر جديد يستثمر المكاسب والمنجزات السابقة ويسعى الى تحقيق الاضافة النوعية والمميزة. ويبقى هذا الترابط بين مختلف المراحل ميزة رائدة مكنت من تجنّب حالات الاضطراب أو الانتكاس والتراجع وسهّلت تحقيق خطوات إصلاحية واسعة غيّرت معطيات الواقع وبدّلتها نحو الأفضل. ولكل هذه الاعتبارات يكون من الوجيه أن تتطلع كل القوى السياسية الى الارادة الرئاسية على اعتبارها الضامن الوحيد ماضيا وحاضرا ومستقبلا لكل أشكال المبادرات وأصناف التغيير الايجابي والمفيد.