حين انقشعت السحب وتلاشت الغيوم من سماء مدينة العلا وبزغت أشعة شمس اليوم الموالي ظهرت مشاهد مريعة للدمار والاضرار التي خلفتها الأمطار والتي هطلت بقوة مساء السبت الماضي وقد تناولت «الشروق» الخبر في عدد سابق بعد ساعات قليلة من وقوعه... الا أن الصور التي التقطناها أو تحصلنا عليها أثناء جولتنا مع ثلة من المرافقين كانت غابة من اللوحات البائسة التي نحتها القدر وتركت المجال لكل مشاهد بأن يتأمل فيها بحسرة ويعبر عنها بما يناسبها. ففيضان المياه كسر جسر وادي خريبة وطريقين معبدتين ففضح حالة الهشاشة والضعف على مستوى الأشغال والتصميم... ومع انقطاع النور الكهربائي انفجرت أنابيب المياه وقنوات التطهير المتآكلة لتختلط المياه القذرة المتدفقة بسرعة بمياه الشرب الملطخة بالطين والوحل ومنازل تعرت من الأسفل حتى بانت أحجارها فتبعثر أثاثها وتبللت أدباشها عند ذروة البرد... سيارات تعطبت فتسمرت في مواقع واتجاهات مختلفة وحتى شاحنة الحماية المدنية فقد غلبها الطوفان ثم أسقطها على احد جانبيها فبقيت جاثمة بين الرمل والصخور المتداعية الى أن أسعفتها سواعد المنكوبين... وأشجار اقتلعت من عروقها فتغير وضعها ليصبح رأسها في الأرض وجذعها في السماء. وقد ذكر لنا أحد مرافقينا أنه في تلك الليلة التي أرعدت وابرقت وأمطرت طويلا حكم على عشرات الرجال والشباب باللجوء والاحتماء داخل المخابز ومحطات بيع الوقود حتى مطلع الفجر بعد انفصال كل المناطق عن بعضها لرداءة الممرات والمسالك الفلاحية المؤدية اليها. كما علمنا أن امرأة حامل داهمها المخاض لم تستطع الوصول الى المستشفى فأتمت عملية الولادة في أقرب بيت من القنطرة. وقد ذكر لنا شاهد عيان أنه بعد ساعات الهلع والرعب ومع تغير ملامح سطح الارض عمت حالة من الوجوم والذهول لدى أهالي معتمدية العلا... وفي نفس الوقت تحفز الرجال بما أتيح لهم من آلات ومعدات لاصلاح بعض التشوهات... فثلاث ساعات من الغيث الجارف دفعت بالسيد والي القيروان الى الحلول بالمكان رفقة طاقم كامل من رؤساء المصالح الجهوية، وفرضت على فرق الانقاذ والتدخل العمل باقي الأيام ليلا ونهارا. هذا ما خلفته الأمطار من دمار في مدينة العلا التي أصبحت في حاجة الى تدخل أقوى من سلطات الاشراف والى تظافر كل الجهود من أجل اعادة تهيئة بنيتها الأساسية على قواعد عصرية وسليمة ودراسة برامج ناجعة وتفعيلها لحماية المدينة من مخاطر الانجراف وطوفان المياه.