الفضائيات لا تصوم ليس لأنها الا تعترف بالهلال وهي التي لا ترى الا من خلال القمر الصناعي. لقد تهيأت الفضائيات العربية (أقصد أغلبها) لشهر رمضان. الفضائيات لا تصوم عن اطلاق الصور المتلاحقة من محطاتها الارضية الى المر الصناعي الذي يتولى الالتقاط واعادة ارسال صور الأرض الى العيون الجائعة الى الشاشات في البيوت. وا هذه الصور غير غزوات فضائية لا هدف لها غير فتح شهية العيون على أطباق الطعام «الفكري» الطائر هنا وهناك في زحمة لا تعرف الرحمة. 2 مثلما يحدث على مائدة الطعام من زحمة توحي بالتخمة، تزدحم أطباق التلفزيونات العربية أمام المشاهد الذي تعوّد في شهر رمضان أن يرى ما طبخه أطباء الاعلام العربي من وجبات تساعد على نسيان يوم مضى. 3 ... وتندلع الاشهارات حتى يخشى المرء على ايمانه الغذائي بقيمة هذه البضاعة وتفوقها على تلك. وعليه أن يصدق أن ما يرى أمامه هو كذب موغل في الصدق، وبهارات متهاطلة وعجائن متلاصقة وفطائر متطايرة ورقائق مترافقة وسكريات على حمضيات حتى يشاهد بأم عينه تعددية مكرونية وديمقراطية يوغرطية. وينفتح برلمان الشهوات على مصراعيه ولا خلاص لذوي الدخل المحدود الا بالديون. 4 وتطلع الفوازير في شكل آخر.. واعتزال نيللي صار لا يعني موت الفوازير التي تُعاد مقدمتها ومؤخرتها ستّين مرة حتى يحفظها الأطفال غصبا عنهم والحكاية كلها غير مهمة فالمنتج نفسه لا يتفرج على السلعة بعد أن باعها للفضائية المحتاجة الى التهام اي شيء يُنسي الصائمين والصائمات تعب ذلك اليوم الذي مضى. 5 ونتابع المسابقات اللائقات بالذهن المتلبّد بالدهون وتراخي الاعصاب ونشاط الفم في مستوى الفكين تثاؤبا وفي مستوى الشفاه نميمة وتقفز الجوائز الكبيرة من الشاشات الصغيرة بمناسبة ودون مناسبة. 6 ... وتطلع المنوعات الهزلية التي اجتهد أصحابها في تأليفها واخراجها وانتاجها وفلفلتها بالبهارات التقنية من أجل اضحاك يصل الى حدود التعنيف تحت شعار : «يا أخي اضحك، نحن في خدمتك، لا تكتئب، اضحك، فنحن نضحي، ونكاد نبكي حتى تضحك أنت». 7 ومن بعض القنوات العربية يكثر البصاق على العقل السليم من قبل بعض الشيوخ و(بعضهم من الشبان) الذين يلبسون اللحي المطولة تطويلا ويلتحفون بالملابس المطرزة تطريزا ويكاد أجواد أنواع البخور يضوع من استوديوهاتهم وهم يجيبون على أسئلة الحيارى فيرسلون الفتاوى المطبوخة من أيام تجمّد الاجتهاد وليالي الانحطاط. بعد هذه الطبخات الفقهية يشعر المتفرج الغافل انه مجرم وانه على قاب قوسين أو أدنى من باب جهنم. 8 أما المسلسلات التاريخية فلا تغيب عن رمضان لتذكّر أهل الذكر بمجد غابر مليء بالحكمة المرنة والموعظة الحسنة وكل ذلك في غمز خفيف موح بأن الامس كان مجيدا. وهي مسلسلات لا تهدف الى احياء الماضي قدر محاولتها التبشير بحاضر عربي سعيد بهيج رغيد... 9