عندما نقول إن فلانا يتصرف تصرفا صبيانيا نعني دائما أن تصرفه ينقصه النضج ويعوزه الوعي فهو إذن تصرف مرفوض ومحكوم عليه. لكن ما رأيكم في تصرف ذلك الصبي الذي أجهش بالبكاء عندما عاد ذات يوم إلى البيت فوجد رأس صديقه الأعز مقطوعا وملقيا في فناء البيت فأمسك به واحتضنه وأخذ يناجيه ويخاطبه متسائلا عن سبب هذه الفعلة الشنيعة... ومتوعدا الجناة وقد أثار هذا التصرف ضحك الكبار، ذلك أن الصديق لم يكن في الواقع سوى خروف شهي ذبحوه ليتنعموا بلحمه الطري، ولو حصل أن شاركهم الصبي فرحتهم لاعتبروه عاقلا مثلهم، لكن بكاءه ونحيبه جعلهم يضحكون منه ويقولون «يالخساسة عقل الصبي، ظن الخروف كالصديق» وفي منطق الكبار الصديق هو الإنسان الذي تربطنا به مصلحة، والشخص الذي يمكنه أن يفيدنا، وهو أيضا العبد الذي نرهبه فنحاول أن نتقرب إليه حتى نأمن شره لكن هذا المنطق يجهله الصبي الذي لا تقوده إلا فطرته وإحساسه البكر، لذلك تراه عندما يفتح قلبه للدنيا، يفتحه بكل تلقائية، وعندما يغلقه في وجه المزعجات يفعل ذلك أيضا بنفس التلقائية، ولكن هذه التصرفات تزعج الكبار لأنها تصرفات صبيانية لأنها غير خاضعة لقانون الحسابات والمصلحة التي تفرض عليهم أحيانا التباهي بما يكرهون، والاستنكاف من أشياء يتعشقونها في قرارة أنفسهم.