وكالة التحكم في الطاقة تنظم دورات تكوينية للمسؤولين المكلفين بالطاقة بعدد من الوزارات    الزقوقو يوصل ستين دينار.. والمولد على الأبواب!    رابطة علماء: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة    الزهروني: الإطاحة بمجرم خطير استهدف النساء في سلسلة عمليات سلب    عاجل/ هذه العقوبة التي تنتظر المرأة التي حرقت قطط حية..    بعد جنوح عريتي قطار: استئناف تدريجي لحركة القطارات على خط الضاحية الجنوبية..    نقص الأدوية الحياتية في تونس... تحذير من أزمة سيولة تهدّد السيادة الدوائية    عاجل/ مأساة: ارتفاع حصيلة ضحايا الزلزال في أفغانستان..    الاحتلال يواصل تفجير المنازل في جباليا ومدينة غزة وحصيلة الشهداء والجرحى تواصل الارتفاع..#خبر_عاجل    "شنغهاي للتعاون" تتبنى إعلان تيانجين وتؤكد معارضتها التدابير الأحادية ودعمها الاستقرار العالمي    فاطمة المسدي: المقاطعة ليست "موضة للكاميرا" بل سلاح اقتصادي حين ندعم منتجاتنا الوطنية    الملعب التونسي يوافق رسميًا على إنتقال خليل العياري إلى باريس سان جرمان    الحماية المدنية: 121 تدخلا لإطفاء الحرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    محمد فضل شاكر يكسر الصمت: 13 عاماً من الانتظار.. ونصيحة والدي غيرت حياتي    عاجل/ منع تسويق "طلاء أظافر" وأنواع "الجل" بسبب مادة سامة..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    "اختارنا الله".. رسالة مؤثرة من شقيق أبو عبيدة بعد تأكيد اغتياله    دون رقم هاتف..''واتساب'' يُطور ميزة جديدة تُتيح التواصل باسم المستخدم    "العميد شكري الجبري: تونس تواجه إغراقًا غير مسبوق بالمخدرات.. والتصدّي مسؤولية مجتمع كامل"    ترامب يرد بتحد على التكهنات بشأن صحته عبر منصة "تروث سوشيال"    عيوننا عليهم...الغربي في ألمانيا.. بن رمضان مصاب والعرفاوي هداف    ارتفاع رقم معاملات قطاع التأمين إلى 2.2 مليار دينار    بداية من غرة سبتمبر: استئناف العمل بالتوقيت الشتوي    حجز بضائع بقيمة جملية فاقت 1.2 مليون دينار..    هام/ غدا..انطلاق حصة التجنيد لسنة 2025..    كوناكت والشركة التونسية للشحن والترصيف تتباحثان سبل تطوير مردودية الموانئ    ركلة حرة مذهلة من سوبوسلاي تمنح ليفربول الفوز 1-صفر على أرسنال    الأهلي المصري ينهي العلاقة التعاقدية مع المدرب الاسباني خوسيه ريفيرو    المهرجان الدولي لفيلم الهواة بقليبية يختتم دورته ال38 بتتويجات محلية ودولية    Ooredoo Music Fest by OPPO 3.0 يحقق نجاحاً باهراً في صفاقس    بطولة ايطاليا - فلاهوفيتش يقود يوفنتوس للفوز 1-صفر على جنوة    عمليات القرعة على رئاسة المجالس المحلية والجهوية تسفر عن ترؤس 3 نساء لمجالس جهويّة و36 إمرأة لمجالس محلّية    ماجل بلعباس... عاصمة الفستق البيولوجي تسجّل صابة قياسية وتتطلع للأسواق العالمية    الناموس ما يرحمش: علاش بعض الناس يجذبوه أكثر من غيرهم؟    خبر يفرّح عشاق النوم: استغلوا موسم العنب ارقدوا خير...هاو كيفاش؟!    الاتحاد المنستيري: المالي إبراهيم غادياغا يعزز الصفوف    بكالوريا 2026: تبديل في برنامج العربية.. روايات ومسرحيات جديدة في الآداب    الطلبة إلي ما خذوش التوجيه، قدموا مطلب إعادة نظر قبل غدوة الاثنين    إصابة حاضرين بحفل زفاف برش بندقية.. النيابة تباشر الأبحاث    الأسعار والبيع: كل ما يلزمك تعرفو على تذاكر ماتش تونس وليبيريا    من غدوة: المترو 1 باش يمشي على سكة وحدة بين ''الوردية 6'' و''بن عروس''    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    السينما التونسية تواصل تألّقها في مهرجان البندقية السينمائي الدولي    استقرار معدل نسبة الفائدة    همس الموج.. شاطئ حلق الوادي.. أجواء ساحرة ...    أولا وأخيرا...لحمة الكتف و الكسكروت بالهريسة    صيف المبدعين ..الشّاعرة لطيفة الشامخي .. الكُتّاب ،سيدي المؤدّب وأوّل حِبْر عرفته    توقّعات بصابة قياسية للزيتون    مع الشروق : في شروط الثورة الشّاملة    مناظرة خارجية لانتداب مهندسين أول بالسلك المشترك لمهندسي الادارات العمومية    أخبار الحكومة    على باب المسؤول .. مرضى القصور الكلوي يناشدون وزير الصحة    السينما التونسية تواصل خطف الأضواء في كبرى المهرجانات العالمية    عاجل: الطرابلسي يعلن قائمة نسور قرطاج وقائمة المحليين للمواجهات القادمة    تاريخ الخيانات السياسية (62) ابن العلقمي يسقط دولة الخلافة (1)    النور الأخضر في صنعاء... زلزال عقائدي وعسكري يهزم المجرم نتنياهو    عاجل: موعد مع القمر والنجوم: معهد الرصد الجوي يدعوكم لسهرة فلكية مميزة    للتونسيين: 25 يوما على إنتهاء فصل الصيف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رشائيات: عدنان فرطيطو والزلباني
نشر في الشروق يوم 19 - 11 - 2010

يعد وجود مجنون القرية، ظاهرة تكاد تكون عامة، فلكل قرية ولكل مدينة أحمقها المركزي، الذي حوله تركب الخطابات وتنسج شتى القصص، وعنه تنقل الأقاويل التي تصبح بمثابة الأمثال أو الحكم، ولا تكاد تخلو مدينة أو قرية ذات تقاليد عريقة من مجنون يمثل فيها ظاهرة إنسانية واجتماعية وثقافية ومرات دينية، فأجزاء كبيرة وكثيرة من تواريخ القرى والمدن مؤسسة على التاريخ الشخصي لمجانينها.
هل المجنون من يكتب عنه العقلاء؟ هل عدنان الهلالي هو العاقل لأنه يروي حكاية كل من أنكرته الحياة، حتى أولئك الذين يعيشون في القصور؟ إنه لا يروي قصة معتوه أو درويش، إنها قصة إنسان والقلب المجروح، والكرامة المهانة، والحكمة المتجاهلة، والإنسانية المشروخة، فرطيطو يمكن أن يكون أنا، والزلباني يمكن أن يكون عدنان، والحكيم بوسطلة هو الصديق الذي تفطن أن وراء ذاك القفص الصدري ينبض قلب، وأليس تعطيل العقل خلاصاً؟
في كتابه «الزلباني» جمع عدنان الهلالي شخصيات القرية، تأتي حسب اللوحات المرسومة، عمدة القرية: باحث يكتب الشعر والفلسفة ويعشق قيفارا وناصر /سفيطلة: بنت جرجير ذات جمال عجيب وقاصر / جرجير: مستشرق أو زعيم جسور غيور وخاسر / سفسطيل: عازف نخرته المقامات يعزف فوق السطوح وتحت سقوف المعاصر / بوسطلة : حكيم معاصر / وفرطيطو: فراش محاصر، هربوه على ظهر شاحنة بعد فتح المدينة / زلباني بطل الحكاية: فتى مارد مستميت وكاسر.
في كل قرية حكماؤها ومجانينها، لكن في سفيطلة للمجانين مكانة خاصة وإن كانت مهمشة، استعاد عدنان فرطيطو شخصيته السابقة ليرافق عشيره الزلباني لغنائية الغرباء. ورغم أن الكاتب يحكي عن مجنون القرية الذي ينطق غالباً هزلاً، فالصورة مؤلمة والكلمات جريحة : «عطس كالثعلب في دمه / كور لسانه / بصقه في فمه/استنكر كلامه/حلب كالكلبة أحلامه / قلم أظافر قلمه/ سطر في لهفة مسارب ألمه/ سالت قزحية الزلباني في دموعه...
ينطق الزلباني حكمة حين يجيب على شتيمة فرطيطو: «أنت دنيء بلا ذاكرة، فيقول له: تقصد العرب الفاتحين؟ فيقول فرطيطو / يالك من هبل بربري. وهكذا يختصر عدنان صورة لصفحات من التاريخ».
لقد جمع الزلباني وفرطيطو من حيث لا يدريان أهالي القرية حول سياق من الحكايات والرؤى، فمن حولهما يتلاقى الأهالي لصنع جزء من الحياة اليومية للقرية ليكون قاسماً مشتركاً لكثير من موضوعاتها وأحداثها وحوادثها، رغم أن أغلب سكان القرية لا يدرون أين ينام فرطيطو ولا ماذا يأكل الزلباني. وكأن وجودهم لا يحتاج إلى مكان للنوم أو الإستراحة. أو أنهم لا يملكون الوقت للمرض أو للنوم، كل ما يملكون ذلك السر في لسانهم.
«زلباني إلى جانب فرطيطو، يمشيان بطيئين، تحت نور الفوانيس ، ضاحك زلباني كعادته، شارد الذهن صاحبه فرطيطو، شعر رأسه كالدبابيس، عبوس... جلسا عند ظهر عمود».
المجنون هنا ليس المختل عقلياً، هو مجنون جبران، وفوكو، والجاحظ، والهمذاني وحنا مينا، هو العنصر الذي يشكل عماداً متيناً بهشاشة جنونه في تأسيس يوميات القرية، ويشكل جزءاً من ذاكرتها الجماعية، ويبني مشتركات ناس من فضاء القرية :
«فرطيطو يميل على الميكرفون : أهل المكان / معشر زلبان / هنا مسرح / فكفاكم لبان / هذه الليلة نشعل شمعة في سما المهرجان».
المغني يحرك أوتار الربابة، والكاتب يتلاعب بالكلمات والصور، وخلفية المعنى، وحزن الكلمات آتية من شقاء قاس، يحكي شجنا عميقا كأنه قادم من أقاص بعيدة.
سفسطيل: هل رأيت هناك؟بين أضلعك عششت بومة.
زلباني: بل هدهد ...يتنكر في ريش بومة.
سفسطيل : لماذا؟
لأنه لا يملك مال هذا الخراج.
سفسطيل : هل آتوك بفاتورة الداء؟
زلباني: جاء بها فرطيطو، فقلت له أنني ميت، قال سيبيع عظامي إلى المتحف.
سفسطيل: أنت محظوظ ، هل ثمة متحف يقتني خردة مثلك؟
زلباني: سيطلون أعظمي بالشاي، أصفر حينئذ، هم هكذا زوروا التاريخ ، ودنانير يوغرطة.
هل زلباني هو المجنون بتلقائيته العجيبة، أم الآخرون تتلبسهم البلادة؟
لماذا كتب مجنون بعيون عاقل؟ لماذا كتب عدنان الهلالي حكاية «الزلباني» شخصية واقعية في فضاء سبيطلة؟ وفاء لذاكرة مدينته الشعبية، وثأراً للزلباني من مخرج لا مبالي، صور فيلماً عن سبيطلة وحذف الزلباني . (ثأراً للناصع الزلباني، من كاميرا مخرج صوره، وحذف صوره من فيلمه، لأنها «قاتمة» «تعذب» السياح، مات الفيلم، عاش الزلباني، عنترة الملاجي وزيتون سفيطلة).
لم يكن زلباني عدنان ولا فرطيطو المجنون المستتر، بل كان كل منهما مجنون العقل، ومجنون الحرية ، وعنصراً يشكل عماداً متيناً بهشاشة جنونه في تأسيس حكايات سفيطلة، يحكي حكاية سيارة والحواري القديمة، ويبني في الوقت نفسه كثيرا من مشتركات ناس هذا الفضاء القروي. وربما أراد الراوي أن يثبت أنه أن تعيش مجنونا بين العقلاء أجدى لك من أن تعيش عاقلاً بين المجانين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.