عندما كان العربي يتباهى بالفروسية كان للحصان حظوة، واذا قيل إن فلانا فارس فإن ذلك يحمل معاني مثل الرجولة والبطولة والفحولة والشجاعة... ويرتسم في المخيّلة ذلك الرجل صاحب البنية القوية الذي يركب حصانا رشيقا ويحمل سيفا ويتباهى بحركته وحركة حصانه، فهو من يقف الى صف المستضعفين ويدافع عن الفقراء ويعامل المرأة كالوردة فيحميها ويحمي القبيلة. أما وقد مرّ الزمن ومات أولئك الرجال فإن الخيول بدأت بالتراجع وأبادها فقدان الوظيفة اذ لا يبقى من لا وظيفة له في هذه الطبيعة وأصبحنا اليوم بلا فرسان ولا خيول. غير أنه وحتى لا نكون عدميين فإنه يمكننا القول إن لكل عصر فرسانه ولكل جيل مفاهيمه وآلياته ورؤيته للكون والأشياء فجيل اليوم لم يفرّط في تلك القيم التي يمكن أن تدخل ضمن مكوّنات الهوية. بعض شباب هذا الجيل وجد بديلا عن الخيل والبيداء والقرطاس والقلم... ولأنهم شبان مبدعون ومتمسكون بالتراث والهوية فلقد تمسّكوا بعدم التفريط في قيم الفرسان، لكنهم عوّضوا الحصان بالدوبرمان والبلدوغ والروت فايلر وغيرها من الاسماء... وهي أسماء كلاب تعرف بالشرسة وهي فعلا شرسة جدا. وتراهم يجوبون الشوارع والأحياء الشعبية منها والغنية بمشية «متبرّجة» يشقّون الأرض شقّا وهم يشعرون بتلك القوة «الجبارة» ويتملّكهم احساس بالبطولة والرجولة. من كانوا يستعملون الخيل كانوا يحمون القبيلة والمرأة والطفل والغريب... وكانت القوة في القلب والذراع. ومن أصبحوا يستعملون الكلاب، أصبحوا يعترضون سبيل أبناء الحي والنساء والأطفال لسلب أموالهم وارهابهم والحاق الرعب بهم، ولم تعد القوة في الجسد بل بين فكّي كلب ملقّح أمريكيا. من كانوا يركبون الخيل نسميهم الفرسان واليوم يمكننا ان نسمّي مستعملي الكلاب بالكُلبان. فالفروسية سابقا أصبحت تقابلها الكُلوبية اليوم. ولكل عصر مفاهيمه، فرحم الله الفرسان وليحمنا من الكلبان.