منذ انتصرت الثورة الاسلامية في ايران في فيفري 1979 وقادتها يرددون على مسامعنا ان امريكا هي «الشيطان الاكبر» وترد واشنطن بان ايران هي احدى دول «محور الشر»..وصدق من صدق خاصة في البداية وبالاخص بعد احتلال الطلبة الثوريين للسفارة الامريكية في طهران واحتجاز الرهائن وفشل عملية الكومندوس الامريكية لانقاذهم بعدما تحطمت الطائرات في صحراء لوط.. ومضت السنوات وبقيت الاسطوانة متجددة بين الشيطان ودولة الشر..لكن ماحصل ومازال بين طهرانوواشنطن يبعث على الشك وما انكشف يسوق الى اليقين.. فبالرغم من كل الدعاية الاعلامية وربما العداء العقائدي الا اننا نجد ان الطرفين يلتقيان في تنفيذ عدة سياسات تخدم احداهما الاخرى.. والبداية الصارخة كانت ابان حرب الخليج الاولى فيما عرف ب(فضيحة ايران-كونترا) حيث حصلت ايران/ وايران الخميني بالذات /على اسلحة عبر اسرائيل ذهبت اموالها عن طريق امريكا الى العصابات المسلحة المعروفة بالكونترا التي كانت تعمل على الاطاحة بالنظام السانديني في نيكاراغوا .. ثم جاءت حرب الخليج الثانية فتواطأت طهران مع الامريكيين لحصار الشعب العراقي وتجويعه وانهاء سلطة بغداد على منطقة الاكراد في الشمال وعلى الجنوب العراقي بزعم حماية الشيعة ..وكانت منطقتا الحظر في الشمال وفي الجنوب ..وكثفت طهران نشاطها المعادي للعراق ليس فقط عبر الالتزام بالحصاروالاستيلاء على الطائرات الحربية العراقية التي لجأت الى الاراضي الايرانية خلال ايام (عاصفة الصحراء) بل ايضا عن طريق تقديم كل اساليب الدعم ل«المعارضة» العراقية ممثلة بالخصوص في حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية بزعامة آل الحكيم ..وبالرغم من اليد الممدودة لطهران من طرف صدام حسين الا ان نظام الملالي لم يتخل عن تامره لاسقاط النظام العراقي واحلال نظام موال لطهران في بغداد...وجاء احتلال العراق فلم يتردد زعماء «الثورة الاسلامية» في القول انه لولاهم لما تمكن الامريكيون من اكتساح الاراضي العراقية في ايام معدودات ...والجميع يعرف ما قامت وتقوم به طهران حاليا في العراق سواء مباشرة عبر حرسها الثوري ومخابراتها او عبر التنظيمات المرتبطة بها والتي تمكنت من الاستحواذ على كراسي الحكم في المنطقة الخضراء...وأمريكا تتفرج. وما حصل في العراق حدث ايضا في افغانستان حيث قالت طهران كذلك انها كانت لها اليد الطولى في المعاونة على الاطاحة بنظام طالبان في كابول.. صحيح ان العداوة قديمة ومعلنة بين الشيعة الايرانيين والسلفيين الطالبانيين السنة ولكن ما قامت وتقوم به ايران في افغانستان لا يحيد عن كونه عونا كاملا للاحتلال الامريكي الاطلسي ..وما نشر من شواهد وقرائن يوضح الصورة وهي لا تختلف كثيرا عما انتهجته حكومة طهران في العراق..فقد اعلنت ايران دون مواربة ان وحدة أفغانستان لابد وأن تكون في إطار يسمح بتأمين وضع الشيعة بالدرجة الأولى وبذلت في سبيل ذلك الكثير رغم ان الشيعة في افغانستان لا يصلون في افضل الحالات الى 10 بالمائة من عدد سكان وهم (الهزارة) في منطقة (هيرات) في الغرب الافغاني.وقد قدمت لهم طهران الجزيل من الاموال بل قدمت ايضا الى الرئيس كرزاي نفسه الذي اعترف بانه تلقى «أموالا في اكياس شفافة» وساهمت ايران في بناء السكة الحديدية التي تربط أفغانستان بالغرب الايراني، وإنشاء طريق يربط محافظة «هرات» بإيران من قبل وزارة الطرق والمواصلات الإيرانية نفسها واقامة خط كهربائي للضغط العالي الى ولاية «هرات» ايضا ومنها الى مناطق اخرى.. ولم تمنع سلطة الاحتلال الامريكية ممثلي عشرات الشركات الايرانية من المشاركة في المؤتمرات الدولية لاعادة اعمار افغانستان ..ولم تمنع زيارات لوفود برلمانية ايرانية ولا دفع طهران لرواتب اساتذة جامعة كابول لستة أشهر..ولم تمنع تبادل الزيارات وعلى اعلى مستوى بين كابولوطهران (زيارات نجاد وكرزاي ووزرائهما) ولم تتصد واشنطن لتعاظم قوة الشيعة الهزارة الافغان الذين توسع نفوذهم في كل المستويات من السلطة التنفيذية الى السلطة التشريعية الى الانتشار الثقافي والتوسع الاقتصادي. صحيح ان الجوار والتاريخ المشترك والمصالح تفرض تعاونا بين ايرانوافغانستان وصحيح ان النظام الشيعي في طهران كان وسيظل معاديا للنظام السني وخاصة نظام طالبان السلفي في كابول وقد وصل الامر الى حافة الحرب بينهما قبل الاحتلال وهي كلها ظروف ومعطيات ربما توجد تبريرا لعلاقات بين طهرانوكابول لكن كان من المفترض لو صحت هذه «العداوة بين الشيطان ودولة الشر» ان تكون العلاقات محدودة.. اما ان يرقى الوضع الى مستوى التعاون بين ايران وأمريكا سواء كان مباشرا أو عبر السكوت عن ممارسات ايرانية يجعلنا ندرك ان ايران وأمريكا لا تهمهما الا مصالحهما المشتركة وان العداوة بين «الشيطان الأكبر» و«دولة الشر» ما هو في نهاية الامر الا يافطة اعلامية تخفي واقع التحالف المصلحي في اطار من التدافع الايجابي بين ال«عدوين».. في افغانستان مثلما هو في الارض العراقية ..وفي المحصلة ليست أمريكا هي «الشيطان الأكبر» حتى واسرائيل تدفعها للتهديد المعلن لايران... وليست ايران هي «دولة الشر» مادامت تلتقي مع واشنطن في الكثير من التقاطعات... ليس هناك شيطان ولا عدو للشيطان.. أو دولة شر وعدو لها.. أو ان أمريكا هي الشيطان الذي لافكاك من وسواسه ودولة ايران هي شر لا بد منه.