حاوره: المنصف بن عمر قدّم الكثير من المسلسلات التلفزية التي تبقى علامات مضيئة في الدراما التلفزية التونسية... ويكفي ذكر مسلسلات مثل «عنبر الليل» و«ظفائر» و«حسابات وعقابات» و«عطر الغضب» لنعرف القيمة الفنية والجمالية لضيفنا... هو أيضا صاحب الشريط السينمائي الطويل الوحيد الموجه للأطفال في تاريخ السينما التونسية وحتى العربية عموما.. ضيفنا هوالمخرج التلفزي والسينمائي الحبيب المسلماني... أستاذ الحبيب، هل اخترت أن تكون مخرجا تلفزيا وسينمائيا أم هي الصدفة؟ لا، ليست صدفة بل هو اختيار عن وعي وقناعة فبعد حصولي على شهادة الباكالوريا التحقت بكلية الحقوق لكنني لم أكمل السنة الأولى، فقد فتحت التلفزة التونسية مناظرة فتقدمت ونجحت في الاختبار وانضممت إلى التلفزة التونسية كمساعد مخرج... متى كان ذلك؟ كان ذلك عام 1968 وبعد الاختبار خضعنا لتربصات بتونس وفرنسا وإيطاليا كما التحقت بالمعهد السمعي البصري بفرنسا تخرجت منه بديبلوم تعليم عال اختصاص إخراج... من أين جاءك الولع بالميدان السمعي البصري؟ قبل دخولي التلفزة ومنذ كنت أدرس بالتعليم الثانوي التحقت بنادي السينما بصفاقس وكان لي شغف كبير بالتصوير الشمسي لذلك كنت مهيئا لاقتحام هذا المجال... هل تذكر أول عمل من إخراجك؟ طبعا كان بعنوان «بصمات العلماء» وهو برنامج للأطفال في قالب درامي، وأذكر أيضا أن في هذه الفترة وبالتوازي مع عملي كنت أدرس بمعهد الصحافة وتحصلت على الأستاذية في اختصاص سمعي بصري. المنعرج الأول في حياتك المهنية من كان؟ كان في مسلسل «بنت الخزّاف» هذه التجربة جعلتني لا أفكر إلا في الدراما، هذا المسلسل أسّس لانطلاقتي كمخرج في المجال الدرامي... من «بنت الخزّاف» إلى الآن كم هو عدد أعمالك الدرامية؟ عشرة مسلسلات منها «عنبر الليل» و«ظفائر» و«حسابات وعقابات» و«بين الثنايا» و«أيام عادية» و«عودة المنيار»... بالنسبة لك أي عمل قدمك كما يجب أو تعتبره محطة مهمة في حياتك المهنية؟ «حسابات وعقابات» هذا العمل كان سببا في لقائي بالكاتب المتميز علي اللواتي، لقد التقينا في مشروع جميل وجيّد في هذه التجربة فهمت أنه عندما يكون السيناريست محترفا ويعرف ماذا يفعل، فإن المخرج لا يملك إلا أن يضيف... ثم ماذا بعد الحسابات؟ «عنبر الليل»، هذا العمل اقترح على 6 مخرجين لكنهم اعتذروا لأسباب مختلفة، فكان يمثل تحديا بالنسبة إلي، وقبلته لأرفع هذا التحدي والحمد لله النتيجة تعرفونها... أما العمل الثالث فهو «ظفائر». وما أهمية هذا العمل؟ لم يكن عملا سهلا، كان صعبا في كتابته وهو عمل جعلني أقف عند حقيقة إمكانياتي، وكان شعاري وأنا أنجز هذا العمل إما المواصلة أو الفشل والانسحاب نهائيا من الدراما. تحدثت عن الشعار، ما شعارك في العمل؟ الانضباط، لا أستطيع العمل في الرفاهية، يقال عني دكتاتورا فإذا كان الانضباط والجدية في العمل تعني الدكتاتورية فمرحبا بالنسبة إلي نحن نلتقي كمجموعة حول مشروع وكل واحد من الفريق مطالب بتقديم الإضافة إلى العمل من موقعه ومن لا يضيف عليه الانسحاب العمل مقدس بالنسبة لي. ما هي مقاييس اختياراتك في العمل وأقصد اختيار الممثلين؟ مقياسي الوحيد الانضباط في العمل، كما أحبذ العمل مع أشخاص لي تجارب سابقة معهم لأنه عندما تعمل مع أشخاص تعرفهم ويعرفون أسلوبك وطريقتك، هذا يعبّد الطريق، ويجعلنا نعمل في أريحية... الحبيب المسلماني كان غائبا في رمضان 2010 ما الأسباب؟ لم أكن غائبا، بل كنت حاضرا بالغياب ففي كل الأعمال التي قدمت في رمضان الماضي وعلى مختلف الشاشات كنت حاضرا من خلال الممثلين والممثلات الذين قدمتهم سابقا في أعمالي. لمن يرتاح الحبيب المسلماني من الممثلين والممثلات؟ أرتاح لكل الذين تعاملت معهم في مسلسلاتي. هل ثمة ممثل أو ممثلة فكرت في التعامل معها لكن لم تجسد الفكرة؟ فكرت في هند صبري قبل أن تهاجر إلى القاهرة كما أفكر في التعامل مع كل الممثلين المهاجرين ففي النهاية هم أبناء هذا الوطن. بعد هذه التجربة الطويلة مع الإنتاج الدرامي التلفزي ما هي استنتاجاتك؟ كثيرة هي الاستنتاجات أولها أننا في حالة تعلّم مستمرة مع كل عمل نكتشف ونتعلّم أشياء جديدة ثانيا الجمهور التونسي يعشق الدراما التونسية ويتابعها حتى عندما تكون سيئة. برأيك، لماذا بقي الإنتاج الدرامي الوطني موسميا؟ بصراحة نحن نفتقد إلى استراتيجية واضحة المعالم في هذا المجال، كان بإمكاننا أن نكون في مقدمة الدول العربية، فنحن بدأنا قبل سوريا، انظر الإنتاج السوري أين هو ونحن أين؟ بدايتنا في الدراما أفضل من حاضرنا نحن اليوم «بريكة» رمضان. ما الحلّ؟ علينا وضع استراتيجية ومنهجية عمل واضحة، لكن إذا بقينا على هذه الحالة فإن الأزمة ستتفاقم فمن لا يتقدم يتراجع... ماذا ينقصنا؟ الكثير، فمثلا نحن لم نكوّن جيلا جديدا من المخرجين ولم نكون كتاب سيناريو ولم ندفع الخواص إلى دخول غمار الإنتاج الدرامي، ففي سوريا المبادرة جاءت من التلفزة السورية ثم شيئا فشيئا دخل الخواص مجال الإنتاج. في أي مرحلة من حياته المخرج الحبيب المسلماني؟ مازلت في طور التعلّم ولا أقول هذا من باب التواضع الكاذب، بل هي حقيقة في ميداننا التكوين متواصل والمعرفة لا تنقطع. أين أنت من السينما؟ منذ 1986 لم أنجز عملا أي منذ فيلم «صبرة والوحش» وهو أول شريط سينمائي عربي موجه للأطفال، هو الأول والأخير إلى حد الآن، وقد حاز على جائزة مهرجان القاهرة السينمائي للأطفال. ولماذا لم تنجز أعمالا أخرى؟ لست من النوع الذي يخرج ويكتب السيناريو... أنا أفضل العمل مع سيناريست وكاتب حوار، وإلى حد الآن لم يقترح علي سيناريو ثم أنا لا أريد إنجاز فيلم لأسجل حضوري كمخرج سينمائي أريد فيلما يطرح قضية وله معنى ويبقى في الذاكرة.. ما رأيك في ما يطرح من قضايا في مسلسلاتنا الأخيرة؟ إذا كان «شوكو» هو المرجع بالنسبة إلى شبابنا فهذا خطير جدا وهذا ما لاحظته فعلا فإذا كانت هذه الشخصية المنحرفة هي المرجع لشبابنا فهناك مشكل... قضايانا الحقيقية ليست المخدرات والدعارة والخيانة الزوجية هناك مواضيع أخرى أهم. شبابنا لا يعرف تاريخ بلده ولا رموز وطنه الثقافية والسياسية والنضالية.. نحن في عصر العولمة والثقافة الكونية وإذا دخلنا غمارها دون تحصينات فسيكون الخراب بالنسبة إلينا كعرب. القيم والثوابت التي قامت عليها الأمة بدأت تتلاشى وهذا خطر حقيقي وأنا هنا أتساءل هل شبابنا مثلا يعرف تاريخ تونس هل يعرف الرموز والشخصيات التي كانت فاعلة في تاريخنا سياسيا وثقافيا وفنيا؟ لقد تخلينا عن القيم الفاضلة وعن قضايانا الحقيقية كعرب لقد تركنا قضايانا إلى الدراما التركية التي بدأت تطرح قضية فلسطين... هل أنجز الحبيب المسلماني مسلسله؟ لا، ليس بعد مازلت أنتظر المسلسل الذي أحلم به.