وزارة الصحة تُوضح بخصوص التعهد بحالة طبية أثارت تفاعلات وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي..#خبر_عاجل    عاجل: ما تشربوش من''عين أحمد'' و''عين أم ثعلب'' في تالة!    829 كم في 7 ثوان!.. صاعقة برق خارقة تحطم الأرقام القياسية    خطر تيك توك؟ البرلمان المصري يهدد بالحظر!    عاجل: قرار قضائي يوقف ترحيل آلاف المهاجرين من أمريكا    عارف بلخيرية رئيسا للجامعة التونسية للرقبي لفترة نيابية جديدة    ضيوف تونس: رشيد بارادي (الجزائر): حبّ تونس لا يحصى ولا يعد    الوحدات الأردني يفسخ عقد قيس اليعقوبي    كلمة ورواية: كلمة «مرتي» ما معناها ؟ وماذا يُقصد بها ؟    حماس تكذّب المبعوث الأمريكي: لن نتنازل عن السلاح    معاينة فنية لهضبة سيدي بوسعيد    في نابل والحمامات... مؤشرات إيجابية والسياحة تنتعش    مونديال الاصاغر للكرة الطائرة : ثلاثة لصفر جديدة أمام مصر والمرتبة 22 عالميا    درجات حرارة تفوق المعدلات    اليوم الدخول مجاني الى المتاحف    جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    غازي العيادي ضمن فعاليات مهرجان الحمامات الدولي: ولادة جديدة بعد مسيرة حافلة    تململ وغضب ودعوات للمقاطعة.. 70 دينارا لحم «العلوش» والمواطن «ضحيّة»!    أستراليا تمنع يوتيوب للأطفال: وداعًا للخوارزميات الخطرة؟    لرصد الجوي يُصدر تحييناً لخريطة اليقظة: 12 ولاية في الخانة الصفراء بسبب تقلبات الطقس    الكاف: شبهات اختراق بطاقات التوجيه الجامعي ل 12 طالبا بالجهة ووزارة التعليم العالي تتعهد بفتح تحقيق في الغرض (نائب بالبرلمان)    مباريات ودية: انتصارات لكل من النادي الصفاقسي، النجم الساحلي والاتحاد المنستيري    إيقاف ياسين تشيوكو الحارس الشخصي لميسي ومنعه من دخول الملاعب    مع الشروق :الاعتراف... نصر أكتوبر الجديد    العواصف الرعدية والبَرَدْ جايين الليلة في المناطق هذي، حضّر روحك!    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    قبلي: يوم تكويني بعنوان "أمراض الكبد والجهاز الهضمي ...الوقاية والعلاج"    بورصة تونس تحتل المرتبة الرابعة ضمن قائمة اداء الاسواق العربية خلال الربع الثاني من 2025    قرطاج يشتعل الليلة بصوت نانسي: 7 سنوات من الغياب تنتهي    عاجل: سوبر الأحد..الترجي بغيابات مؤثرة والملعب التونسي يسترجع عناصره    تنبيه هام: تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق..#خبر_عاجل    عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..    عاجل/ الحماية المدنية تُحذر من اضطراب البحر حتى وإن كان الطقس مشمساً..    شراو تذاكر ومالقاوش بلايصهم! شنوّة صار في باب عليوة؟    عاجل/ وزارة الفلاحة توجه نداء هام لمُجمّعي الحبوب وتقدّم جُملة من التوصيات للفلاحين..    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    بالأرقام: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية في عدد من الولايات..    الأحداث السياسية في تونس في أسبوع (من 27 جويلية إلى 2 أوت 2025)    نقابة الصحفيين : مقاطع الفيديو المتعلقة بجماهير المهرجانات والمتداولة ليست لصحفيين محترفين ويجب احترام أخلاقيات المهنة    الإدارة العامة للأداءات تنشر الأجندة الجبائية لشهر أوت 2025..    تحذير: استعمال ماء الجافيل على الأبيض يدمّرو... والحل؟ بسيط وموجود في دارك    وزير التعليم العالي يتدخل وينصف التلميذ محمد العبيدي في توجيهه الجامعي    "تاف تونس " تعلن عن تركيب عدة اجهزة كومولوس لانتاج المياه الصالحة للشرب داخل مطار النفيضة- الحمامات الدولي    اتحاد الشغل يؤكد على ضرورة استئناف التفاوض مع سلطات الإشراف حول الزيادة في القطاع الخاص    أحمد الجوادي في نهائي 1500 متر: سباحة تونس تواصل التألق في بطولة العالم    وفاة جيني سيلي: صوت الكانتري الأميركي يخفت عن عمر 85 عامًا    كيفاش أظافرك تنبهك لمشاكل في القلب والدورة الدموية؟    الفنان "الشامي" يحقق نجاحا جماهريا باهرا ضمن فعاليات الدورة 45 لمهرجان صفاقس الدولي.    جثمان متحلل بالشقة.. الشرطة تكشف لغز اختفاء عم الفنانة أنغام    شنية حكاية ''زكرة بريك'' اللي خوّفت جدودنا؟    الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة    بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء    سهرة قائدي الأوركسترا لشادي القرفي على ركح قرطاج: لقاء عالمي في حضرة الموسيقى    تحذير للتونسيين : برشا عمليات قرصنة ... ردّ بالك من التصاور والروابط المشبوهة    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    هل يمكن لمن قام بالحج أن يؤدي عمرة في نفس السنة؟    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بورتري: مروان البرغوثي... شهيد حي... أسير حرّ...
نشر في الشروق يوم 11 - 12 - 2010

بمعنى الفداء والشهادة... هو شهيد حي... يحمل كفنه على يديه ويخوض عباب القضية غير عابئ بجبروت الجلاّد... يشق طريقه حتى طلوع الشمس... شمس الحرية... فإما نصر وإما شهادة تمرّر المشعل الى العشاق... عشاق فلسطين... عشاق الوطن.
وبمعنى الحرية والانطلاق، هو أسير... لكنه أسير حرّ... بلغ أعلى درجات الحرية حين صنع من قضبان سجنه سجنا لجلاديه... وحين اخترق صوته وفكره وعناده وشراسته في الصمود والنضال حدود زنزانته الخانقة لتصافح المناضلين الشرفاء في كافة أرجاء فلسطين... وفي كل ركن من الوطن العربي الكبير وفي كل شبر من المعمورة يقف عليه انسان شريف، مؤمن بقداسة الحرية وبحتمية طلوع شمسها.
بلغة النضال، هو من علّم النضال مفردات الصمود والتحدي...
وبلغة الصبر، هو أيوبي الصبر... يعلّم الصبر كيف يعاند الطاغوت والحقد والجبروت، ويصبر...
إنه صقر فلسطين، المناضل مروان البرغوثي الاسير الحر الذي دكّ مؤخرا جدران زنزانته لينطلق صوته مدويا، مزلزلا ليحط في الجزائر العاصمة التي احتضنت قبل أيام مؤتمرا حول الأسرى... وأي عنوان أفضل منه لهؤلاء الناس الشرفاء... وأي صوت أبلغ من صوته لايصال الرسالة رسالة الصمود والشموخ في زمن الانكسارات والانهيارات... زمن صار فيه الانحناء للعاصفة يستدعي المزيد من الانحناء لتنهار قيم ويسقط رجال و«يتوب مناضلون».
مروان البرغوثي... لكأنه انسان قُدّ من معدن النضال الخالص... كأنه خلق ليكون للنضال الرمز والعنوان... لكأن ا& بعثه ليكون محجّة المناضلين ومزارهم حين تعصف بهم رياح التحولات والانهيارات الكبرى... وحين يصبح الشرفاء الصامدون الصابرون بمثابة «الديناصورات» أو الكائنات الغريبة التي لا تفهم أصول «التكتيك»...
منذ ولادته عام 1959 في قرية كوبر شمالي رام ا& متوسطا اشقاءه الستة انطلق ليخط الحروف الأولى في مسيرة نضالية بدأت وهو طفل وشبل وشاب... فلقد فتح عيونه البريئة على سطوة الجلاّد وجبروته... وعاين قهر المحتل الصهيوني وتفنّنه في اذلال شعبه الفلسطيني وفي التنكيل بحريته وبكرامته... كل شيء حوله كان يدعو للثورة والتمرد والعصيان... ولم يكن وهو الفتى الذي كبر وهو لا يزال صبيّا ليكبت عناوين رفضه للجلاد ولغطرسة الجلاد، أو ليكظم غيظه إزاء ممارسات موغلة في الحقد... فلم يكد يبلغ الخامسة عشرة حتى كانت أولى مصافحاته مع السجن والسجان ليقضي خلف القضبان 5 سنوات بالتمام والكمال (1978 1983)... سنوات استغلها الفتى الصغير لتدارك ابعاده عن الدراسة بأن حصل على الثانوية العامة داخل السجن... لم يكتف بذلك بل زاد فتعلم اللغة العبرية (ليعرف عدوه أكثر ويغوص في خبايا عقليته المريضة أكثر) وكذلك الفرنسية والانقليزية...
من رطوبة الزنزانة ينتقل صاحبنا الى جامعة بئر زيت... تلك القلعة النضالية الشامخة التي تخرّج منها آلاف المناضلين والتي سرعان ما حملته الى أعلى المراتب... حيث ترأس لثلاث دورات متتالية مجلس الطلبة فيها ومنها انطلق ليؤسس منظمة الشبيبة الفتحاوية في مطلع الثمانينات لتصبح أكبر منظمة جماهيرية في الأراضي الفلسطينية... ولتتحول مع الأيام الى أكبر حاضنة للانتفاضة المباركة الأولى التي فجّرت عام 1987...
من اعتقال الى اعتقال مرّت أعوام الثمانينات على المناضل الكبير مروان البرغوثي... لا يكاد يخرج من السجن الا ليعود إليه... اقترن اسمه بالانتفاضة ليكون عقابه الابعاد الى الاردن (1987 1994) حين ابتدع رابين ما يسمى سياسة الابعاد في محاولة يائسة لافراغ الارض من المناضلين.
سنوات الابعاد لم تكن سنوات عجافا... بل كرّسها الشاب اليافع لتجذير جذوة النضال فيه وتمرير شعلتها الى الأطر التنظيمية حتى انتخب عام 1989 عضوا في المجلس الثوري لحركة «فتح» ليكون أصغر عضو من ضمن 50 عضوا... وفي أفريل 1994 عاد الى «فلسطينه» التي سكنته حتى النخاع وأحبّها بلا حدود (إثر اتفاقيات أوسلو) وانتخب عام 1996 عضوا بالمجلس التشريعي عن دائرة رام ا& في اطار الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية.
تتعدد المنابر وتبقى الرسالة واحدة هي هي... كل لقاء توعية وتحسيس... وكل اجتماع حمّال مبادئ وقناعات... وكل تجمع فضاء للثورة وتمرّد على السجن والسجّان... بحسّه السياسي المرهف وبإدراكه العميق لطبيعة العقلية الصهيونية استشرف صاحبنا ان «عسل أوسلو» الى زوال وأن المواجهة الصعبة قادمة لا محالة ومعها احد احتمالين: إمّا شهادة وإمّا اعتقال... وكم مرّة نطّ فيها من كمين الى كمين... وكم مرّة مرّ بين رصاصات المحتل... وكم مرة نجا من صاروخ مجنون... كان رأسه مطلوبا... «ميتا أو ميتا» كان يريده الارهابي شارون... «يؤسفني إلقاء القبض عليه حيّا، كنت أفضل ان يكون رمادا في جرة»... بهذه العبارات الحاقدة عقّب السفاح على عملية اختطاف مروان عام 2002 اثر انتفاضة الأقصى...
لم تكن كلمات شارون وحده تقطر حقدا بل ان كلمات مسؤولين آخرين قطرت بحقد من نوع آخر... فقد علّق موفاز على «الاختطاف بالقول» ان اعتقال البرغوثي هو هدية عيد الاستقلال التي يقدمها الجيش للشعب الاسرائيلي وان اعتقاله ضربة قاتلة للانتفاضة... فيما قال (الياكيم روبنشتاين) المستشار القانوني للحكومة... «ان البرغوثي مهندس ارهابي من الدرجة الاولى... وقد راجعت ملفاته طول ثلاثين عاما ووجدت انه من النوع الذي لا يتراجع ولذلك يتوجب ان يحاكم بلا رحمة وان يبقى في السجن حتى موته»!!
«يتوجب ان يبقى في السجن حتى موته»... أبلغ تعبير عن عقلية صهيونية مريضة تحقد على كل نفس مقاوم في أرض الرباط... عقلية تعشش في فكر وقلب كل صهيوني غاصب وهي التي قادت القضاة في «واحة الديمقراطية» الى الحكم على مروان بخمسة مؤبدات مع 40 عاما (4 جوان 2004) لهذه الدرجة يهابه جلاّدوه... ولهذه الدرجة يقدر السجين على سجن سجّانه...
هل انتهت القصة؟ كلا وألف كلا... وهل تقدر القضبان على حجب خيوط الشمس... وهل تقدر ظلمة الزنزانة على إطفاء أنوارها... قالها لهم صريحة مدوية إثر النطق بالحكم يوم 6 جوان 2004: «انكم ترتكبون جريمة حرب تماما مثل طياري جيشكم الذين يلقون بالقنابل على المواطنين الفلسطينيين تماشيا مع قرارات الاحتلال... اذا كان ثمن حرية شعبي فقدان حريتي فأنا مستعد لدفع هذا الثمن».
وفي سجن «هداريم» تبدأ ملحمة جديدة قادته ليحصل على الدكتوراه...ومن زنزانته يتواصل المدّ الثوري ليتحول الى بوصلة الثورة وحكيمها في زمن تلاطمت فيه الأمواج وضاعت البوصلات في مزادات السياسة والمصالح الانانية الضيقة... حيث كان الغائب الحاضر في «اتفاق القاهرة» بين الفصائل الفلسطينية وفي كل كبيرة وصغيرة تخص الوطن والقضية...
ومن زنزانته في سجن «هداريم» اظهر للصهاينة كم هو حرّ حين أبلغ رسالته المدويّة الى المؤتمر الذي عقد حول الاسرى بالعاصمة الجزائرية... «وحّدوا الصفوف واعيدوا وحدة الوطن والقضية» كانت تلك رسالة الى أبناء وطنه الذين فرّقتهم المواقع ومزّقهم الانقسام ليختلفوا ويتصارعوا ويهنأ الاحتلال بضعفهم وهوانهم.
من الأسير ومن الحرّ... ومن السجين ومن السجّان... انه هو مروان البرغوثي الحرّ في أسره... ساجن سجّانيه في زنازينهم... رجل قُد من معدن النضال الصافي في زمن عزّ فيه الرجال... ثائر في زمن صارت فيه الثورة تهمة... وتاهت فيه القضية بين مزادات السياسة وبين عجز ذوي القربى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.