من منا لا يعرف الكعك.. وفي بعض الاقطار العربية يسمونه «الكحك».. ومن منكم لم يتلذذه يوما بمناسبة ومن دونها وان كان قد ارتبط بصفة أساسية وعلى مر الزمان بعيد الفطرقبل ان يستبد بباقي الايام والفصول.. وقد قيل إن الفراعنة هم أول من عرف الكعك وتفننوا في طريقة صنعه وفي اشكاله التي وصلت الى مائة شكل مازالت نقوشها تشهد عليها في مقابرهم. ومما عجب له هيرودوت وهو يكتب عن مصر في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد ان «المصريين يمزجون عجين الكعك والخبز بأرجلهم في حين يمزجون الطين بأيديهم». وفي التاريخ الإسلامي قيل إن الطولونيين كانوا يصنعونه في قوالب خاصة يكتب عليها «كل واشكر» واصبح ملتصقا بعيد الفطر في العصر الاخشيدي حيث كان يكدس في «دار الفقراء» على مائدة طولها مائتا متر وعرضها سبعة أمتار. وفي العهد الفاطمي تعاظم الاهتمام بالكعك حيث بلغ طول مائدة الخليفة (العزيز) 1350 مترًا وكان يتولى توزيعه بنفسه، وفي عهده (حوالي منتصف القرن الثاني عشر للميلاد) أنشأت أول دار لصناعة الكعك سُميت «دار الفطرة». ووصل الامر الى تخصيص بعض الاوقاف لتوزيع الكعك على المعلمين في بعض المدارس الوقفية. وفي بعض القوالب المحفوظة كتبت عبارات منها «كل هنيئًا واشكر» و«كل واشكر مولاك». والمؤكد ان الاصناف والمواد التي استخدمت في تلك العهود الوثنية والاسلامية هي اكثر بكثير مما نتباهى به الآن.. ومن الكعك صنعت تمائم، والشكل المدور منها يقول المسيحيون انه يرمز الى شكل التاج الذي وضع على رأس يسوع المسيح. ومن الكعك ما كانوا يحشونه بالدنانير الذهبية.. وقد اشتهر عبر التاريخ عدد من صناع الكعك رجالا ونساء وتغنى بذلك الشعراء...والامريكيون «على عادتهم في ابتكار الطريف والشاذ» لديهم كعكة الحظ يصنعونها لاعيادهم وحفلات الزواج.. ولكلابهم... وهم يعتقدون ان أصلها من الصين لان المطاعم الصينية هي التي تبيعها لهم وهي في الواقع ابتكار ياباني ..وكعكة الحظ هذه يضعون فيها قصاصات ورق يكتب عليها حظ الشخص الذي سيأكلها، وأرقام جلبت للذين استخدموها ارباحا في اليانصيب وصلت الى 19 مليون دولار في مارس 2005 ..ووصل الامر بالامريكيين الى صنع كعك مرصع بالالماس او بالذهب يصل ثمنها الى 1100 دولارللكعكة الواحدة.. ودخل الكعك دون غيره من الحلويات في مصطلحات عالم السمسرة حيث يطالب أحد المتنافسين بحصته من «الكعكة» مقابل الخروج من المنافسة والامتناع عن الزيادة في البضاعة المعروضة للبيع. ودخل الكعك في عالم السياسة حيث تقتسم الاحزاب أو الزعماء «الكعكة» في توزيع المناصب الحكومية وما يتبعها من نصيب في الثروة. ودخل الكعك عالم السلاح بل اخطر انواع السلاح وهو السلاح الذري ..فقد وصفت احدى منتجات مراحل التخصيب الاولية لليورانيوم ب«الكعكة الصفراء» هذه التي اثارت ثائرة واشنطن وحليفاتها عندما تباهت ايران بالحصول عليها. والكعكة الصفراء (Yellow Cake) ليست في حقيقتها صفراء وليست مدورة الشكل بل هي على شكل خبيز. وتعود تسميتها إلى ما كانت تنتجه المفاعلات القديمة لانها في المفاعلات الحديثة اصبحت بنية اللون مع ميل الى السواد. وقصتها ان خام اليورانيوم ينقل من المنجم إلى المطحنة لتفتيته وسحقه باستخدام محاليل الكربونات أو حامض الكبريتيك وهو اصفر اللون فيتم انتاج ملح من أملاح اليورانيوم يسمى الكعكة الصفراء تجري تنقيته فيعطي اوكسيدا يسمى ايضا الكعكة الصفراء ..ثم تتواصل عملية التخصيب والطرد كما يسمونها لفصل اليورانيوم الى نوعين حسب الكثافة واحد اعطوه الرقم 235 والثاني 238.وهكذا تتواصل العملية المعقدة وصولا الى انتاج الوقود. فمنه ما يظل بنسبة متدنية يستخدم في الاغراض السلمية ومنه من تصل نسبته الى 95٪ فيصبح جاهزا لانتاج القنابل الذرية. ويمكن لقطعة صغيرة من الكعكة الصفراء إطلاق كمية من الطاقة تساوي ما يطلقه ثلاثة ملايين ضعف وزنها من الفحم الحجري... وهكذا غدت الكعكة الصفراء اغلى بكثير من كعك الالماس والذهب ..واصبحت محط انظار الكثيرمن دول العالم بين ساع لامتلاكها وعامل على منع ذلك.. بل هي الدافع لاحتلال بعض الدول مثل افغانستان التي تتوفر على كميات هائلة من اليورانيوم في اقليم (هلمند).. وبعيدا عن المتعة في الاعياد والمناسبات للكعك «المسالم»، وعن الرعب الذي تثيره الكعكة الصفراء في عالم السلاح النووي دخلت كلمة كعكة في مصطلحات تقييم البشر والنتائج الدراسية.. فالفاشل او العاجز ينعت بانه «كعكة» أي لا يقدر على شيء. ومن يحصل على صفر في امتحان يستعيض عن ذكر كلمة الصفربكلمة كعكة باعتبارها مدورة كالصفر في الارقام العربية... وهكذا نجد من يسعى لامتلاك كعكة ،خاصة اذا كانت صفراء..ونجد من يسعى الا يكون «كعكة» في الاقتصاد أو في العلم..أو في السياسة.