... في ليلة شتاء دافئة، غابت السحب وحل القمر ليضيء ذاك المكان الذي اعتاد على النجوم فأصبح يتماهى والنجوم لينافسهم في طلعتهم البهية... ظهر في أبهى حلة وأجمل زينة زادته أشجاره المتموجة بهاء وتاريخه المجيد عراقة... سارعت الخطى وتزاحمت الناس وهي تهب إليه من كل مكان فهي على بعد خطوات من شارع الحبيب بورقيبة الذي دون التاريخ أحداثه ليستقر أخيرا ذاك الجمهور أمام المسرح البلدي الذي بات ينادي لناظره من بعيد... شامخا في شارعه الطويل يقصّ حكاياته مع السينما والمسرح والغناء وهو يحتضن لأول مرة الدورة الأولى لأيام قرطاج الموسيقية، جمهور غفير لم تمنعه ليلة الشتاء من حضور اليوم الأول لولادة مشروع فني جديد. «الشروق» حضرت على عين المكان لملاحظة مدى تفاعل الناس مع هذا المولود الجديد فاجتمعت الآراء على أهمية هذا الحدث الذي بدأ بتغيير الإسم من مهرجان الأغنية إلى أيام قرطاج الموسيقية في انتظار ما ستجود به بقية الأيام. نسخة جديدة حمل بين يديه طفلته الصغيرة وسارع الخطوات وحتى يصل في الموعد ترافقه زوجته التي كانت سعيدة بمغادرة المنزل في ذاك اليوم لتقضي «الويكاند» على حدّ تعبيرها بعيدة عن المطبخ ومشاغل البيت. السيدة أسماء تحدثت ل«الشروق» وهي سعيدة بانطلاق أيام قرطاج الموسيقية في نسختها الجديدة خاصة مع هذه الفترة بالذات أي مع إنطلاق عطلة الشتاء مضيفة أنها ستتفرغ لمواكبة بقية السهرات لأنها فرصة بالنسبة إليها حتى تروح عن نفسها وهي التي ملت الجلوس في المنزل لأنها لا تشتغل... هكذا صرحت أسماء ل«الشروق» وهي تتجول بعينيها بين ذاك الجمهور مستمتعة بتلك الأجواء. زوج السيدة أسماء قال إنه وفي كل التظاهرات التي تقام في العاصمة وخاصة تلك التي تحمل إسم أيام قرطاج سواء المسرحية أو السينمائية أو الموسيقية. السيد محمد يقول «أنا متفائل بنجاح هذه الأيام في دورتها الأولى خاصة وأن البرنامج متنوع وثري... كما أن التظاهرة خرجت من محيطها الضيق الذي كان مقتصرا على الفنانين التونسيين لتصبح تظاهرة دولية منفتحة على النجوم العرب...». خرجت عن المألوف تجمعن أمام المسرح البلدي وهن يتجاذبن أطراف الحديث وقد أبهرهن ضوء المدينة وهو يشع على واجهة المسرح البلدي زادته تلك المؤثرات الضوئية (الليزر) جاذبية. الآنسة أحلام طالبة كانت مستمتعة بذاك التنشيط الخارجي (خارج المسرح) متفاعلة مع فرقة تكدة المغربية تصفق لها تارة وتراقص يدها تارة أخرى، أحلام تحدثت ل«الشروق» وهي مستمتعة بالفن الشعبي المغاربي : «نحن اليوم في حاجة إلى مثل هذه التظاهرات الراقية بعيدة عن المألوف إني أشعر وكأني في أحد الأنهج الباريسية أحضر لأكبر التظاهرات العالمية...» تأخذ منها صديقتها الكلمة «فعلا إنها بداية طيبة لأيام قرطاج الموسيقية تنظيم محكم وديكور رائع وتنشيط لا يخلو من تشويق...» تضيف الطالبة لمياء «لابد أن نساند مثل هذه التظاهرات حتى ننهض بمهرجاناتنا الوطنية لأن الجمهور هو الفيصل في مثل هذه الأحداث...». نفس الشيء «دعا إليه السيد علي محمد الذي كان يرافق عائلته لحضور حفل الإفتتاح... وقال وهو يستشهد بزوجته «منذ قرأت في الصحف حول أيام قرطاج الموسيقية أحسست أن هذه التظاهرة سوف تخلع جلبابها القديم وتظهر في ثوب جديد وها أني ألاحظ الليلة أن إحساسي كان في محلها بالرغم من أني مازلت لم أتابع سهرة الإفتتاح «تأخذ منه زوجته الكلمة...» مثلما يقول المثل الشعبي «العشاء الجيد يظهر من ريحته...». وهذا التنشيط الذي استقبلنا في الشارع يؤكد أهمية الأيام». وجوه متفائلة كانت الإبتسامة مسيطرة على كلّ الوجوه وهم ينتظرون موعد إستقبال المسرح البلدي لضيوفه غاب التدافع وكان الجميع يترقب اللحظة الأولى لولادة جديدة قد تعلن عن ميلاد تظاهرة موسيقية ذات بعد دولي. تنشيط خارجي التنشيط الخارجي أراد أن يجمع بين الفن المغربي والمصري وبعد أن استمتع الجمهور بالفن الشعبي المغربي قدمت فرقة المولوية المصرية عرضا أبهر الجمهور ورقصت على أنغامه تلك الأغصان فدغدغت نسماتها الدافئة تلك القلوب المتعطشة لتلك الأجواء وأبحرت على سفينتها إلى بلاد الفراعنة عبر تلك الأناشيد والرقصات الراقية... مغادرة كان منذ حين الجمهور مستمتعا بتلك الأجواء الإحتفالية يغمره دفء الموسيقى وإيقاع الإبداع... وها هي الآن الخطوات تتسارع لتظفر بمقعد داخل المسرح البلدي لاكتشاف الليلة الأولى من أيام قرطاج الموسيقية... بعض الدقائق مرت وغادر كل من كان واقفا في ذاك الشارع وعاد الهدوء من جديد دون أن يغادر الدفء المكان في ليلة شتاء باردة...