٭ تونس «الشروق»: إعداد: فاضل الطياشي بعد أن قضى محمد مزالي ورشيد عزوز حوالي 14 شهرا في المنفى وتحديدا بين باريس ولوزان، عملا أثناءها الى جانب مجموعة من رجال السياسة من تونس والخارج، على محاربة ما وصفوه ب «حاشية بورقيبة» التي كانت تنوي آنذاك الاستيلاء على الحكم، وقد بلغهم صباح 7 نوفمبر 1987 خبر تولّي الرئيس بن علي الحكم وهو ما أسعدهم كثيرا بما ان البلاد نجت من «الهاوية» التي كادت ان تسقط فيها وأيضا لأنه أصبح بإمكانهم العودة الى أرض الوطن في كنف الأمن والأمان لأن زمن أعدائهم (حاشية بورقيبة) ولّى بلا رجعة... غير ان مزالي، على حدّ ما ذكره رشيد عزوز رفض العودة واعتبر ان «المعركة» مازالت متواصلة.. ووصف عزوز ب «اللامتضامن» معه، بسبب قراره إنهاء «المعركة» والعودة الى تونس. وكان عزوز قد تعرض في كتابه «وهو ما نقلته «الشروق» على امتداد الحلقات السبع الماضية من هذه السلسلة الى التفاصيل والحقائق المثيرة التي رافقت هروبه ومزالي الى الخارج مبيّنا في الآن ذاته حجم الصداقة الوفية التي كان يكنّها لمزالي الى درجة أن ضحّى بحياته وبمستقبل عائلته من أجل مساعدته على الهروب و«هندسة» خطة محكمة لذلك، وهو ما كلّفه (عزوز) وكلّف كل من ساعدهما في ذلك كثيرا، حيث تعرّض كل من بقي في تونس للسجن والتعذيب وللمحاكمات الجائرة من قبل سلطة بورقيبة وتمت مصادرة ممتلكات عزوز (المنزل ومكتب الهندسة والسيارة...). وفي هذه الحلقة الثامنة، يروي رشيد عزوز تفاصيل تنكّر مزالي لصداقتهما وعدم سعيه الى مساعدته رغم ما جناه من أموال سواء في المهجر او بعد عودته الى تونس.. تضحيات.. لكن.. في تقديمها للكتاب المذكور تقول مونيك بيليتيي (Monique Pelletier) وهي وزيرة فرنسية سابقة ومحامية «على امتداد سنوات، لم يكن مزالي وفيّا لأصدقائه، حيث رفض كل مساعدة لرشيد عزوز الذي لم يكن يتوقف على مده بالأموال في الأشهر الأولى لحلولهما بأوروبا.. أما هو (مزالي) فقد نجح في الحصول على أموال من الدولة الفرنسية ومن دول خليجية ونجح في الاندماج باللجنة الأولمبية الدولية...». وكان عزوز قد ذكر على امتداد صفحات كتابه «الطرق والوسائل» التي كان يتبعها مع المجموعة المرافقة لمزالي في الحصول على الأموال والمساعدات اللازمة لتوفير معاليم السكن والتنقل والأكل وعقد اللقاءات والندوات الصحفية بفرنسا ومصاريف تنقل مزالي من لوزان (حيث كان يقيم) الى باريس وطبع وتوزيع البيانات والمناشير... وكان عزوز على حدّ ما ذكره ينفق من أموال خاصة حوّلها معه الى فرنسا وأيضا من أموال بعض معارفه وأصدقائه الفرنسيين والعرب في باريس إضافة الى ما كان يوفّره أحمد القديدي من أموال من زوجته الى درجة انه كان على استعداد للعمل كعون تنظيف بإحدى بلديات باريس.. في تلك الأثناء، يقول عزوز، كان مزالي يقيم في نزل من فئة 4 و5 نجوم ب «لوزان» ويتلقى المساعدات المادية الكبرى بطرق مختلفة والتي لم ترها المجموعة المرافقة له حتى بالعين المجرّدة.. تنكّر مادي بنبرات تفوح منها رائحة الألم والندم على ما قدّمه من تضحيات مادية وعائلية لمزالي، تحدّث عزوز عمّا سمّاه ب «تنكّر» مزالي له ولكل من ساعده في الهروب الى الخارج وفي بلوغ وضعية مادية مريحة سواء في الخارج (مساعدات دول الخليج وفرنسا واللجنة الاولمبية الدولية) او في تونس بعد ان عاد الى أرض الوطن سنة 2002 إذ مكنته الدولة التونسية من تعويضات بقيمة أكثر من 3 مليارات عن الأضرار التي حصلت له منذ 1986.. ويتحدث رشيد عزوز في كتابه عن «التنكّر المفضوح» لمزالي تجاهه وتجاه عائلات محمود الهادف (الذي رافقهما ليلة الهروب الى الجزائر) ومصطفى شقشوق (الذي ساعد بسيارته يوم الهروب) وهذه العائلات الثلاث (عزوز والهادف وشقشوق) وجدت نفسها في وضعية مادية حرجة للغاية بسبب ما قدّمه رجالها من مساعدة لمزالي قبل وبعد هروبه لكن مزالي، على حد قول رشيد عزوز، لم يكلّف نفسه مجرّد الالتفات لها او مساعدتها ماديا عندما عاد الى تونس رغم ما جناه من أموال.. حاتم مزالي بقدر اللوم الذي وجهه رشيد عزوز في كتابه الى صديقه الأسبق محمد مزالي، إلا أنه أصرّ على توجيه تحية عرفان وإكبار الى حاتم مزالي (ابن محمد مزالي) وهو طبيب بيطري، لأنه لم يتأخر في تقديم يد المساعدة للعائلات المذكورة، بعد أن تنكر والده «لبكاء الأرامل واليتامى في هذه العائلات» (يقصد زوجتيْ وأبناء محمود الهادف ومصطفى شقشوق). تنكّر معنوي اعترف رشيد عزوز في كتابه أنه لم يكن ينوي البتّة كتابة حرف واحد حول المرحوم محمد مزالي حتى بعد «تنكّره» المادي له ولكل من ساعده على الهروب.. غير ان «الصدمة» كانت كبيرة على حدّ قول عزوز بعد صدور كتاب «نصيبي من الحقيقة» لمحمد مزالي سنة 2009... اذ يقول عزوز انه بقدر ما تضمنه هذا الكتاب من حقائق تاريخية لا يمكن التشكيك فيها بقدر ما جانب فيه كاتبه (مزالي) الحقيقة عندما قلل من شأن مساهمة عزّوز والآخرين في تخطيط وتنفيذ عملية هروبه والحال انه كان على علم آنذاك (عند تحرير كتابه) بالوضع الذي آل إليه كل من ساعده في الهروب وخاصة وضع عائلاتهم التي فقدت الكثير ماديا ومعنويا بسبب اتهامها بالمشاركة في عملية الهروب.