حين تخلط وسيلة اعلام بين حرية الاعلام وحرية الانفلات والفوضى تسقط الرسالة الاعلامية بقيمها ومعانيها النبيلة في سلّة التوظيف الرخيص وتتحول الى أداة هدم وترويج لحقد أعمى... وقناة «الجزيرة» القطرية التي دأبت على ترديد اسطوانة المهنية والحرفية واعتماد الرأي والرأي المخالف تصر حين يتعلق الأمر ببلادنا على أن تنحر هذه القيم والشعارات التي ترفعها خدمة لأغراض لم تعد تخفى على أحد. فكلما تعلق الامر بأخبار تهم شأنا تونسيا «تتطوع» هذه القناة بالقفز على الحدث و«تتألق» في تصريف غاياتها الخبيثة من خلال النفخ في التفاصيل والوقائع ومن خلال تأجيج المشاعر غير عابئة بأصول العمل الصحفي وما تقتضيه من موضوعية ومن حيادية ونزاهة وغير عابئة بالاضرار التي يمكن ان يحدثها اداؤها المنحاز وتغطيتها الخبيثة للأحداث. والمتتبع لأداء هذه القناة في تعاطيها مع الشأن التونسي هذه الأيام يقف مذهولا أمام حقيقة النوايا والخلفيات والخفايا التي تطبع أداءها... وتغذي اصرارها المفضوح على اعطائه أهمية مفرطة وأولوية غير مبرّرة لدرجة أن هذا الشأن التونسي أصبح عند القائمين على هذه القناة «حدثا جللا» ويحظى ب «الأولوية المطلقة» في التغطية ويتصدر نشراتها الاخبارية قبل تداعيات العدوان الصهيوني على غزة او المخاطر المحدقة بالسودان والتي تهدد وحدة هذا البلد العربي في الصميم وقد تفتح على حرب أهلية مدمرة... فهل ان قناة الجزيرة عدّلت بوصلتها على تونس لتتخذ من الشأن التونسي مناسبة لتصريف حقدها والتنفيس عن أحقاد القائمين عليها والذين يغيضهم أي نجاح تحققه تونس فتراهم يترصدون الفرصة لتصريف أحقادهم وإساءاتهم غير مبالين بما تقتضيه أسس وأصول واخلاقيات الرسالة الاعلامية من موضوعية ونزاهة... وما تتطلبه حتى الشعارات الجوفاء التي يتبجحون بها حول الرأي والرأي المخالف من حياد ومن حرص على اعطاء نفس الفرصة لوجهات النظر المختلفة... ألا يخجل القائمون على هذه القناة المشبوهة التي عرفت بترويجها المفضوح للتطبيع مع الصهاينة وتعويم جرائمهم في حق الشعب الفلسطيني وبهرولتها في المقابل إلى النفخ في أي حدث يشهده بلد عربي من المحيط إلى الخليج بغاية الاثارة الفارغة وتغذية نيران الفتنة، ألا يخجلون من أنفسهم حتى بعد انكشاف دورهم الخبيث الذي يلعبونه كأداة لبث الفرقة والفتنة في المجتمعات العربية خدمة لأجندة تعلن عن نفسها صباح مساء؟ وإلى متى يتمادون في لعب هذا الدور الخبيث حتى لو كان الثمن هو اغتيال اخلاقيات المهنة وما تقتضيه من نزاهة وموضوعية وما تتطلبه من التزام بأسسها ومبادئها النبيلة!