٭ تونس «الشروق»: عبد الرزاق بوكبّة كاتب جزائري ينتمي إلى جيل إحترق في عمر مبكّر بمرارات الإرهاب الذي عصف بالجزائر في التسعينات لذلك جاءت نصوصه كصرخة إحتجاج وإدانة للموت المجاني الذي إختطف الأبرياء وأضاع فرصا كثيرة على الجزائر في البناء والتنمية. أصدر مجموعة من العناوين منها «من دسّ خفّ سيبويه في الرّمل؟» و«أجنحة لمزاج الذئب الأبيض وتليها فصول الجبة» و«جلدة الظل: من قال للشمعة أف؟» و«عطش الساقية/ تأملات عابرة للقار». وهو فائز في مسابقة بيروت 39 ومنتج برامج إذاعية في الإذاعة الجزائرية وحاصل على درع الريادة العربية في التنشيط التلفزيوني بعمان 2009. «الشروق» إلتقته في تونس في هذا الحوار ٭ عادة ما تجعل كلمة «نصوص» صفة لكتبك ما عدا جلدة الظل فقد صنفتها رواية، هل هو موقف منك في الكتابة؟ ليس موقفا بل انسجام مع طبيعة التجربة والذات الكاتبة داخل هذه التجربة الإبداعية، أتعامل مع الأجناس الأدبية من منطلق كونها بدائلَ نفسية وبالتالي فإن اللحظة هي التي تحدد طبيعة الشكل عفويا، ثم إن الكتابة كما أعيها وأمارسها هي هروب من الموت، هل رأيت هاربا من الموت إنسانا كان أم حيوانا يتخذ طريقا مستقيما، كسر الطريق المستقيم «الشكل» في هذه الحالة شرط غريزي للنجاة، مرة كنت مع أبي في رحلة صيد فقلت له: لماذا يلتوي الأرنب وهو يهرب منك؟، قال: حتى يشعر بالأمان، واليوم بت أشبه ذاك الأرنب وأنا أواجه الموت بكل مفاهيمه على البياض حيث ينتابني شعور بالأمان وأنا أتفادى التصنيف في الكتابة، هنا لا بد من الانتباه إلى أنها لعبة خطيرة إذ قد يتفرق دمك في الأجناس الأدبية في مشهد عربي مهووس بالتصنيف والتأطير، لكنها لعبة ممتعة ومثمرة، تعدد الطرق يجعلك تدخل أقاليم متعددة والكتابة الحقيقية في نظري الخاص هي التي تنطلق من التعدد وتفضي إليه، وإلا كانت وجها آخر من أوجه الفقه بمفهومه المتكلس. ٭ إذن أنت ناصّ وكفى؟ ما يهمني وأنا أكتب هو أن أكون أنا، كلما كنت وفيا لذاتي في تلك اللحظة العميقة كلما طلع النص وفيا لقيم الجمال والإنسان وهو الوفاء الذي يعطي للفن مصداقيته. ٭ لكن لماذا صنفت جلدة الظل على أنها رواية؟ لأنني لم أنزحْ فيها كثيرا عن اللغة المعمار الروائيين انسجاما مع طبيعة الحالة، حالة أن تتواصل مع أجدادك الذين ماتوا، إذ ليس من المعقول أن تستدعي قوما شبعوا موتا إلى سياق غير سياقهم ثم ترقص لهم على حبال الكلام، لا يمكننا ونحن نتواصل مع الأجداد إلا التزام طريق مستقيم، هنا لا بد من الإشارة إلا أن أحداث الرواية بدأت في عام 1847. ٭ ذكرت في نهايتها أنك بصدد كتابة شطرها الثاني محيض الزيتونة، هل هو إغراء التجربة؟ الكتابة الحقيقية في نظري هي التي تنطلق من الإغراء وتخلقه في الوقت نفسه، بمعنى الفضول الذي يتلبسنا حين نخلع أحذية اليقين، في جلدة الظل التي كتبتها خريف 2008 لم أكن واعيا إطلاقا بالفعل، فقد كتبتها في مدة قياسية أخشى ألا يصدقني الناس إن أنا كشفت عنها. ٭ هل يمكن أن تفعل ذلك مع قراء «الشروق»؟ ستة أيام لا أكثر، كنت لا أضع القلم إلا لأغفو وأعود إليه مباشرة بعد الإغفاء، حتى أني أغلقت نقالي وكنت لا أستهلك إلا الخبز والبيض المقلي لسهولة طهيه، كانت تجربة خرجت فيها من الحاضر إلى الماضي المتخيل لأجدادي في قريتي أولاد جحيش، أما في التجربة الثانية محيض الزيتونة فأنا ما أزال أكتب بوتيرة بطيئة وحذرة جدا منذ مدة طويلة حتى أني بت أخاف أن يمل شخوصي ويهربوا من الفضاء الروائي. ثم عدت في كتابك الصادر قبل أيام عطش الساقية إلى اللاتصنيف. هو عبارة عن مجمع لتجارب متعددة ومتماهية في الوقت نفسه: رحلات بورتريهات طفولة قصص قصيرة جدا مسرحيات حوارات، إنه يشبه دكانا فوضويا لا يملك سجلا تجاريا لكنه مرتب بشكل جمالي خاص. ٭ ما هي ملامح المشهد الأدبي الجزائري اليوم؟ دعني أستعير الوصف الذي أطلقته على كتابي الجديد قبل قليل «يشبه دكانا فوضويا لا يملك سجلا تجاريا لكنه مرتب بشكل جمالي خاص» فإني أراه وصفا لائقا، فهو مشهد غير مرصود الملامح وغير مدروسها شعرا وقصة ورواية ونقدا وترجمة، يعتمل بعيدا عن النقد والجامعة والإعلام بمعنى أن واجهته لا تعبر صدقا عن الثراء والبهاء اللذين يكتنزهما، يتوفر على فرص مقبولة للنشر مع فرص ضئيلة جدا للتوزيع باستثناء الفرديات التي كابدت ففتحت لها نافذة في المشرق أو في فرنسا. ٭ هل نستطيع أن نقول إن هناك جيلا جزائريا أدبيا شرب من مرارات الإرهاب؟ على الإرهاب أن يخجل من نفسه لأنه لا يرتبط إلا بالمرارات، في المقابل هناك جيل أدبي جزائري رائع عليه أن يشعر بالفخر لأنه انتصر للجمال والإنسان والحياة في عز تلك المرارات، نعم يا صديقي تستطيع أن تقول ذلك. ٭ العلاقات التونسيةالجزائرية أدبيا، ألا تراها تراجعت بالمقارنة مع سنوات النضال من أجل الاستقلال؟ وهي من المفارقات التي لا تهضم بسهولة، رغم أن الحدود مفتوحة على أكثر من صعيد عكس الزمن الذي أشرت إليه، إن هناك جيلا جزائريا من الفنانين والمثقفين والكتاب لا زال بعض وجوهه يعيشون إلى غاية اليوم هو خريج تلك الأيام التونسية المجيدة بنافذتيها الزيتونة والصادقية، أما اليوم فأنت لا تجد الكتاب التونسي في الجزائر ولا الكتاب الجزائري في تونس، بل إن نسبة المبدعين التونسيين الذين يحضرون ملتقياتنا ومهرجاناتنا وهي قد باتت كثيرة جدا نسبة ضئيلة جدا وأنا لا أملك فكرة عن العكس، وهنا دعني أغتنم الفرصة لأقترح على الأطراف المعنية في البلدين دراسة وتنفيذ فكرة تنظيم ملتقيات ومهرجانات ثقافية مشتركة في المدن الحدودية وهي فكرة كفيلة بردم هذه الهوة غير المبررة. ٭ كيف وجدت تونس في زيارتك لها الشهر الماضي؟ شعرت بالخجل منها وأنا أغادرها لأنني لم أزرها من قبل رغم إمكانية ذلك، قلت لصديقي الكاتب يوسف بعلوج الذي رافقني في الرحلة: هناك تقصيرات لا مبرر لها، على التونسيين أن يشعروا بالفخر لأنهم يملكون شارعا متحضرا ومفتوحا على العالم لا يعاني من التسممات الغذائية والحضارية والإنسانية ويحترم الحريات الشخصية.