مربّون لامجرمون: وقفة احتجاجية في كامل الإعداديات والمعاهد.    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    حزب الائتلاف الوطني التونسي يرشح رئيسه ناجي جلول للانتخابات الرئاسية القادمة    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة.    مدنين: استعدادات حثيثة بالميناء التجاري بجرجيس لموسم عودة أبناء تونس المقيمين بالخارج    التحديث الجديد من Galaxy AI يدعم المزيد من اللغات    تصنيف اللاعبات المحترفات:أنس جابر تتقدم إلى المركز الثامن.    كرة اليد: المنتخب التونسي يدخل في تربص تحضيري من 6 إلى 8 ماي الجاري بالحمامات.    اختناق عائلة متكونة من 4 أفراد بالغاز المنزلي..    فيديو لأمني ملطّخ بالدماء ومُحاط بأفارقة: الحرس الوطني يُوضّح.    التيار الشعبي : تحديد موعد الانتخابات الرئاسية من شأنه إنهاء الجدل حول هذا الاستحقاق    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    الكاتب العام لجامعة التعليم الثانوي : حادثة إعتداء تلميذة على أستاذها بشفرة حلاقة تفضح فشل المنظومة التربوية    بداية من مساء الغد: وصول التقلّبات الجوّية الى تونس    جندوبة: تعرض عائلة الى الاختناق بالغاز والحماية المدنية تتدخل    تقلبات جوية منتظرة خلال اليومين القادمين (وثيقة)    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024    سليانة: حريق يأتي على أكثر من 3 هكتارات من القمح    الرابطة الأولى: البرنامج الكامل لمواجهات الجولة الثالثة إيابا لمرحلة تفادي النزول    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    مصر تكشف حقيقة إغلاق معبر رفح..    العاصمة: القبض على قاصرتين استدرجتا سائق "تاكسي" وسلبتاه أمواله    عاجل/ حزب الله يشن هجمات بصواريخ الكاتيوشا على مستوطنات ومواقع صهيونية    البرلمان: النظر في تنقيح قانون يتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الاطفال    مطالب «غريبة» للأهلي قبل مواجهة الترجي    اليوم: طقس بمواصفات صيفية    طولة ايطاليا : جوفنتوس يتعادل مع روما ويهدر فرصة تقليص الفارق مع المركز الثاني    جندوبة .. لتفادي النقص في مياه الري ..اتحاد الفلاحين يطالب بمنح تراخيص لحفر آبار عميقة دون تعطيلات    ثورة الحركة الطلابية الأممية في مواجهة الحكومة العالمية ..من معاناة شعب ينفجر الغضب (1/ 2)    إسرائيل وموعظة «بيلار»    «فكر أرحب من السماء» بقلم كتّاب ((شينخوا)) ني سي يي، شي شياو منغ، شانغ جيون «شي» والثقافة الفرنسية    زلزال بقوة 5.8 درجات يضرب هذه المنطقة..    أنباء عن الترفيع في الفاتورة: الستاغ تًوضّح    منافسات الشطرنج تُنعش الأجواء في سليانة    طقس اليوم: ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    القيروان ...تقدم إنجاز جسرين على الطريق الجهوية رقم 99    مصادقة على تمويل 100 مشروع فلاحي ببنزرت    عمر كمال يكشف أسرارا عن إنهاء علاقته بطليقة الفيشاوي    تونسي المولد و النشأة... ترك تراثا عالميا مشتركا .. مقدمة ابن خلدون على لائحة اليونسكو؟    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة السابعة    قوافل قفصة مستقبل المرسى (1 0)... انتصار العزيمة والاصرار    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة    اليوم: لجنة الحقوق والحرّيات تستمع لممثلي وزارة المالية    أهدى أول كأس عالم لبلاده.. وفاة مدرب الأرجنتين السابق مينوتي    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    فص ثوم واحد كل ليلة يكسبك 5 فوائد صحية    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القيروان (بوحجلة): عجوز تبحث عن ولد تخلّت عنه منذ 42 عاما
نشر في الشروق يوم 06 - 01 - 2011

منذ نحو نصف قرن مضى وهي تبحث عن مولودها. طالت رحلتها حتى أخذ منها التعب وصروف الدهر والمرض مأخذها منها. على وجهها ترتسم علامات الشيخوخة لتضاعف عمرها. ورغم أنها رزقت بسبعة أبناء من زواجها الثاني، فان ذكرى طفلها الذي تركته بالمستشفى مرغمة ظلت عالقة في ذهنها ووجدانها. ورغم ان أهوال الحياة ومتاعبها شغلتها، فان عزمها على إيجاد فلذة كبدها لم يفتر. زادها في رحلة البحث قليل. فجهلها بالقراءة والكتابة وتواريخ الأيام زاد الأمر تعقيدا. فمنذ تركت وليدها بالمستشفى ومنذ سلمته الى الممرضة فهي لا تذكر سوى انها أطلقت عليه اسم «فوزي».
هذا حال العجوز بشيرة غيضاوي (61 عاما) أصيلة معتمدية بوحجلة (القيروان) في رحلة بحثها عن مولود أجبرت على تركه بالمستشفى قبل 42 عاما لان زوجها الذي ارتبطت به دون صداق وباذن أهلها تخلى عنها عند النفاس، وكما أجبرت على الزواج فقد أجبرت على ترك فلذة كبدها خوفا من «وصمة العار» وطمعا في زواج جديد.
«الشروق» التقت العجوز بشيرة في احدى عمليات بحثها. واستمعت الى فصول حكايتها وتفاصيل معاناتها منذ شبابها.
كانت التجاعيد تكسو وجهها. تكاد تشكو من جميع الأمراض المزمنة لولا صمودها. عادت لتوها من المستشفى تتأبط وثائق علاجها الذي لم يتحقق، ورغم ذلك فان اكثر ما كان يشغلها هو العثور على طفلها الذي تخلت عنه.
دون صداق
وبمجرد سؤالها عن تفاصيل الحكاية، تمضي بشيرة تسرد قصة حياتها...من بدايتها. في قرية الجهينات بمعتمدية بوحجلة (القيروان) ولدت وترعرعت في بيئة ريفية بسيطة العيش. لم تدخل المدرسة وكان أول درس اجتماعي تتلقاه هو زواجها. كان ذلك سنة 1967عند بلوغها سن ال17 عشر كانت شابة يافعة تتطلع اليها أعين وقلوب الشبان. وعندما خطبها احد الشبان وافق الوالدان على تزويجها دون تردد رغم صغر سنها. غير ان الزواج كان على غير الصيغ القانونية المعروفة لكون سنها كان دون سن الرشد...ومن يأبه بالامر في ذلك المكان الريفي المعزول الى الآن.
تزوجت بشيرة دون صداق. ومكثت مع «زوجها» مدة عام كامل قبل ان تظهر عليها علامات الحمل. لكن قبل وضعها مولودها بأشهر حدث بين بشيرة وزوجها خلاف عائلي فتركت منزل الزوجية لتتوجه الى منزل والديها الى أن حان موعد الوضع. نقلت بشيرة الى المستشفى وحيدة على متن سيارة احد الاقارب. ووضعت مولودها الذي كان من جنس الذكور.
أوامر...ومرارة
وذكرت بشيرة انها عندما كانت نفساء، انتظرت زيارة أقاربها او على الاقل والدتها لتحمل اليها الغذاء والقوت...وبدرجة اقل زوجها ليطمئن الى صحتها وصحة ولده. لكن بدل التهاني والفرحة بسلامتها، تلقت بشيرة أمرا زجريا بضرورة النخلي عن الطفل وتركه بالمستشفى، ان كانت تريد العودة الى المنزل. وذلك لانهم اعتبروا الطفل «غير شرعي» وفق اعتقادهم.
لا يقدر المرؤ ان يتبين تعابير وجهها بسبب تلك التجاعيد، لكنها كانت جد متأثرة من خلال صمتها ودموعها. وأوضحت انه لم يكن من السهل على الام ان تتخلى عن قطعة منها، فلذة كبدها، ولكن خوفها (وربما سذاجتها) طوع لها ترك فلذة كبدها بعد ان اطلقت عليه اسم «فوزي» ثم سلمته الى ممرضة (قالت انها تعرف اسمها ومكان اقامتها الى الآن). وكان ذلك سنة 1968 وفق ما تذكر بشيرة وساعدها ابنها مفيد في التذكر.
عندما بلغ امر زواج بشيرة دون صداق الى علم الجهات الامنية تمت احالتها ووالديها وزوجها على المحكمة فقضت بسجنهم لمدة تتراوح بين نصف شهر (بشيرة) وشهرين (الزوج والوالدين).
ولانه لم يكن هناك اي اجراء قانوني عند الزواج فان الطلاق بدوره كان بنفس الطريقة ولم تنل بشيرة اية حقوق سوى حق التزام الصمت.
زواج جديد
بعد مدة تزوجت بشيرة. ومات زوجها الاول وفي ركب الحياة قالت انها لم تنس وليدها، ولكن ضعفها و«جهلها» بالحياة جعلاها خاضعة الى مجريات الأمور. ومن زواجها الثاني رزقت بالابناء الواحد تلو الآخر حتى بلغوا سبعة اولاد القاسم المشترك الوحيد بينهم هو انهم لم يلتحقوا جميعا بالمدرسة ولم يتلقوا تعليما مثلها تماما رغم ان سن بعضهم يتجاوز الثلاثين.
انشغلت بشيرة بتربية الابناء والسهر على شؤون أسرتها داخل المنزل وخارجه من خلال العمل كأجيرة في الضيعات الفلاحية. ومرت الايام ودارت وتقلبت في ضوضائها وكبر الابناء وزادت الهموم اشتعالا.
وفي خضم ذلك تواصل ارتباط ذهن بشيرة وتفكيرها بابنها «فوزي» فقررت البحث عنه. وحدّثت عنه أبنائها وطلبت منهم السعي من أجل إيجاده وضمه الى الأسرة عساه يكون الشمعة المضيئة في حياتها.
رحلة الأمل
وذكر مفيد (32 سنة) وهو ابنها الأوسط، ان والدته ترغب بشدة في العثور على أخيهم (غير الشقيق). كما اعرب عن رغبته بدوره في التعرف على أخيه لكن لا أحد يملك ولو وثيقة إدارية واحدة...ولا صورة ل«فوزي».
لو أراه أعرفه، تقول بشيرة وهي تمرر يدها على وجهها لمسح دموع تسيل قالت ان بعضها بسبب مرض أصابها، وشددت على انها لم تنس مولودها وانها لو تراه ستتعرف اليه، مكررة قولها انها لم تكن ترغب في ترك فلذة كبدها بالمستشفى وانها أرغمت على ذلك وهي قاصر في ذلك الوقت.
من جهته سعى مفيد الابن الاوسط للعجوز بشيرة في البحث عن شقيقه ووسائله في ذلك قليلة وامكاناته ضعيفة ولا يعلم من اين يبحث. أمنيته مثل سائر اشقائه كانت من بين العوائق.
وفي ختام حديثهما تأمل بشيرة وابنها مفيد في العثور على «فوزي» وهو اسم الابن المفتش عنه.
تلملم رداءها الابيض لتعيده الى مكانه على ظهرها المقوس ثم تواصل رحلتها الى مسقط رأسها بجهة بوحجلة وهي تستنهض عزيمة ابنائها الثلاثة...بينهم فتاة فاقدة للمدارك العقلية تنتظر تدخلا صحيا وحماية من التشرد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.