38 عاما من العزلة والمرض أعدمت خلالها الحيلة في ايجاد حل دون ان تستقر على شاطئ الحياة. لم تطأ أقدامها المدرسة عند الصغر وعندما كبرت تلقفتها الأشواك وسط دروب شائكة لتتعلم الكثير من الدروس. منذ ولادتها حرمت متعة الحياة ووجدت نفسها من أصحاب العاهات والعوز، وعندما سارت في سبيل الحياة وجدت في طريقها حجارة وحفر. في زاوية منزل راحت تقلب بين يديها أوراقا تجهل قراءتها تتطلع وهي تغالب ألما يوشك أن يوقعها أرضا الى أمل يخرجها من الظلمة الى النور. تلك بعض فصول معاناة الفتاة وناسة الصغير (38 سنة) التي تسبب خطأ اداري بمضمون ولادتها (في خانة اللقب العائلي) في حرمانها من التعليم والعلاج والتغطية الاجتماعية واستخراج وثائق الهوية وكذلك حقها في الزواج والمساعدة الرسمية ليتحالف ذلك مع مرضها العصبي العضال وظروف والديها العجوزين الصعبة. ورغم سعيها الى اصلاح الخطإ الا أن جهودها الضعيفة باءت بالفشل في اصلاح الخطإ بسبب مرضها وضعف الحال وتعقد المسألة. «الشروق» زارت وناسة بنت محمد الصغير في منزلها الكائن بحي زيتون الحمامي غرب مدينة القيروان للوقوف على بعض تفاصيل المأساة وبعضها من الحقائق والذكريات. الاقدار ام الأخطاء عند باب منزل والديها بالحي الشعبي الفوضوي تستقبلك بلهفة تهديك بسمة تسرقها من بين صمت عبرتها، تحدثك بصوت اشج العبارات تلتقط انفاسها من اكداس السنين وهي تمسك بمضمون ولادتها. شاءت الاقدار ان يكون مولد الفتاة وناسة بمنطقة «تيبار» من ولاية باجة لأب أصيل ولاية سليانة ووالدة أصيلة ولاية القيروان جمعهما القدر في ذلك المكان بدافع البحث عن لقمة العيش. يوم ولدت وناسة بتاريخ 12 ماي من سنة 1972 لم تكن تعلم ان وثيقة ولادتها التي تعهد بتحريرها احد الاقارب، ستكلفها قدرا كبيرا من المعاناة، فقد شاءت الصدف ان يقع خطأ اداري عند التسجيل بدفاتر الحالة المدنية ليحرم وناسة من اللقب العائلي (الهذيلي) وتحرم بالتالي تفاصيل الحياة رغم اشارة المضمون في خانة «اسم الاب ولقبه وجنسيته» الى أن والدها هو محمد الصغير بن علي بن الهذيلي. فصول المعاناة هذا الخطأ الذي أصبح أكثر من معضلة القى بضلاله على تفاصيل حياة الشابة وناسة ليمنعها التمتع بالرعاية الصحية والتغطية الاجتماعية وتؤكد وناسة التي تشكو من مرض وراثي مزمن (الأعصاب) أنها لم تزر الطبيب منذ أكثر من 10 سنوات بسبب عدم توفر دفتر علاج لديها ولا المال لزيارة العيادات الخاصة. كانت تنشر أمامنا مختلف الوثائق ومضامين ولادة جميع افراد عائلتها وهي تؤكد انها الوحيدة التي يعترضها هذا المشكل، فوناسة أصغر أخوتها (متزوجون) مثلت حالة فريدة في الاسرة ما جعلنا نتساءل عن الأسباب حتى بلغ بنا الأمر الى حد التساؤل عما اذا كانت والدتها تزوجت رجلا غير والدها رغم تنصيص المضمون على اسم والدها ولقبه الذي اسقط من مضمون ولادتها. وتؤكد وناسة ضرورة اصلاح الخطإ بأي شكل من الاشكال خاصة وأنها تملك حكما قضائيا من المحكمة يسمح لها بإصلاح الخطإ مع البلدية وهو ما فشلت في تحقيقه رغم محاولتها. ولعل حاجتها الملحة لبطاقة علاج وبطاقة الهوية جعلها تتمنى زوال المشكل سريعا وذكرت ان السلط المحلية وكلما توجهت اليهم قصد مساعدتها طلبوا منها وثائق الهوية وتقول وناسة «لو توفرت لدي وثائق هوية لأمكنني مباشرة العلاج والحصول على منحة عائلية لانني متيقنة من رغبة المسؤولين في مساعدتي». مؤكدة في ما يشبه اليأس «انها مستحيلة». «لم أعد أقو على المشي ولا على مباشرة أي عمل» تؤكد وناسة مستظهرة بشهادة طبية في الغرض قبل ان تستعرض أمامنا الظروف المادية الصعبة التي تمر بها أسرتها خصوصا أمام تقدم أبويها في السن (والدتها السيدة ثابوتي 74 عاما ووالدها محمد الصغير 81 سنة) ومرضهما قلصا أمامها فسحة الأمل. منذ نعومة أظافرها لم تدخل وناسة المدرسة ووجدت نفسها مع مصاعب جمة ومشاكل معقدة بين الجانب الصحي والاجتماعي، فقد دب أحد الأمراض المزمنة الى أعصاب الفتاة منذ بلوغها سن ال 20 ليفتك بشبابها ويفتر عزيمتها في اصلاح الخطإ. تغالب من أجل التقاط الأنفاس وجمع شتات كلامها متحملة عناء الوقوف على الجلوس المؤلم ثم ترسل نظرات حسرة وحلم الى والدتها. الخطأ والثمن والأمنيات كانت الوالدة السيدة ثابوتي تستمع الى فلذة كبدها بعينين دامعتين ووجه كساه الارهاق وطول الترحال على امتداد قرن الا الربع. وبينت العجوز انها لا تتمتع وزوجها بمنحة عائلية ولا يتوفر لديهما دفتر علاج رغم قساوة ظروفهما وحاجتهما للعلاج ورغم تقدمها في السن فإن العجوز لا تزال تكدح من أجل توفير ما يقيها الجوع. ترى وناسة ان حصولها على وثائق الهوية سيفتح لها أبواب الحياة وبينت أن أملها وثقتها في المسؤولين الجهويين بالقيروان كبيرة مضيفة انها تلقت وعودا بمساعدتها في صورة تسوية مشكل المضمون. كانت تخفي حسرات وهي تحصي سنين عمرها التي أخطأت في عدها فأسقطت ست سنوات من عمرها سهوا وطفقت تقول انها راحت ضحية أخطاء بين والديها والادارات مؤكدة انها هي التي تدفع الثمن مع انه ليس لديها ما تدفعه. وتتعاظم حاجة وناسة الى بطاقة الهوية عند كل مرة يتقدم اليها أحد الشبان لخطبتها فتفقد طعم الحياة خاصة وأن الزمن يسرق شبابها الذي ذوى من الحزن والخوف من المجهول.