جاء في الدراسة الصادرة عن قسم التشريع والنزاعات والدراسات باتحاد الشغل بأن محاولة شرح أسباب تخلف جهة الوسط الغربي عن الجهات الأخرى تستوجب الرجوع شيئا ما الى الوراء لمعرفة طبيعة السياسات التنموية المتتالية التي تكرست داخل البلاد وبالوسط الغربي بالذات ومقابلة هذه السياسات بالخطاب الرسمي الذي ذكرنا به من خلال مخططات التنمية حتى يتسنى التحليل والنظر في مدى تواجد أم انعدام مقومات وامكانات التنمية الفعلية بالجهة وبولاياتها وحتى يكون التفكير في الآليات التي تتخطى العقبات وتتجاوزها وبالتالي تمكن من الالتحاق بنسق النمو الوطني. فإذا ما راجعنا خطاب المخططين السابع والثامن وهي مرحلة الاصلاحات الهيكلية نجد كما ذكرنا سابقا تركيزا على ضرورة النهوض بالجهات الداخلية تحسبا لما لا يحمد عقباه. وكان بالفعل لسياسات التنمية الجهوية آنذاك في التسعينات أثر واضح في الجهات الداخلية بالبلاد لاسيما عبر تدخلات برنامج التنمية الريفية المندمجة (PDRI2) وبرنامج التنمية الحضرية (PDUI) رغم كل النواقص التي تشكو منها هاته البرامج. وسنعتمد في منهج تحليلنا الدراسة التي أنجزت تحت اشراف المندوبية العامة للتنمية الجهوية، بهدف تقييم هاته البرامج وبهدف وضع التصورات الأولية للبرنامج الجديد للتنمية الجهوية المندمجة، وهي أعلى مصلحة منسقة للبرنامج. لقد تضمن برنامج التنمية الريفية المندمجة الجيل الثاني عدة برامج تصل الى 109 برامج موزعة على 22 ولاية، انطلقت في بداية التسعينات وقد استفاد منها 14000 فلاح وصائد سمك وحرفي بالمناطق الريفية، كما تضمن برنامج التنمية الحضرية المندمجة 32 مشروعا وقعت انطلاقتها في 1993 1995 1997، تم توزيعها على 17 ولاية و31 عمادة استفاد منها 8400 مواطن من المهن الصغيرة والحرفيين في المناطق الحضرية. وتشمل هذه المشاريع البنية الأساسية والتنوير والتشجير والماء الصالح للشرب والتجهيزات العمومية. كما تشمل دعم الانتاج الفلاحي بالبلاد وتعمل على تطوير دخل الفلاحين، وخلق مواطن شغل في مناطق المشروع. كما تهدف الى تحسين ظروف العيش والحدّ من وطأة الفقر في المناطق الريفية النائية. لقد خضع التوزيع الجغرافي للاستثمارات بالنسبة الى هذه المشاريع، الى أولويات البرنامج والمؤشرات المعتمدة لانتقاء مناطق المشاريع حسب الأولويات العامة لخطط التنمية بأبعادها الجهوية أي الجهات الجبلية والجهات الغابية والجهات الحدودية. وقد تحققت انجازات هذه البرامج في فترة ما بين 1993 1999 بفضل حجم من الاستثمارات يساوي 351.84 مليون دينار منها 266.50 م.د مخصصة لبرنامج التنمية الريفية المندمجة و85.34 م.د. لبرنامج التنمية الحضرية المندمجة وتهدف هذه البرامج الى دعم التشغيل ونمو الدخل وتحسين ظروف العيش وتطوير البنية الأساسية وتستهدف في ذلك المناطق المتخلفة سعيا الى إعادة توزيع الاستثمار لصالح المناطق ذات الموارد الطبيعية المحدودة. وفي هذا السياق وطبقا لأولويات الخطة تمتعت جهات الشمال والوسط الغربي بأغلبية استثمارات مشاريع التنمية الريفية المندمجة وذلك بنسبة 54 بالمائة (30 بالمائة في الشمال الغربي و24 بالمائة في الوسط الغربي). وتمتعت جهات الشمال الشرقي والوسط الشرقي والجنوب الشرقي والجنوب الغربي بأقساط أقل بكثير من هذا الحجم. ووفق النسب التالية لكل جهة، 15٪ في الشمال الشرقي، و11٪ في الوسط الشرقي، و11٪ في الجنوب الشرقي وأخيرا 9٪ في الجنوب الغربي. ورغم الصعوبات التي أحاطت بهذه البرامج والنقائص التي وقع ذكرها في الدراسة التقييمية، فإنه يبقى واضحا وجليا أن الشمال الغربي والوسط الغربي قد استفاد مليا من هذه المشاريع في النصف الأول من التسعينات كما يتجلى ذلك في آثار الاستثمارات وفعاليتها التي تركزت في هذه الجهات الداخلية بصورة خاصة والتي انعكست في ارتفاع مستوى العيش حيث تطور الاستهلاك بين 1995 و2000 في الشمال الغربي بنسق 10٪ وفي الوسط الغربي بنسق 9٪ وهي أرفع نسب في هذه الفترة وذلك بالمقارنة مع الجهات الأخرى حيث بقيت نسب نمو استهلاك الفرد تتراوح بين 4.4٪ و8٪ إلا أن هذا التقدم النسبي الذي شهدته الجهة في مستوى عيشها خلال هذه الفترة المحدودة تراجع نسبيا بنهاية هذه المشاريع وذلك في الفترة التالية (2000 2005) وتراجع الوسط الغربي تبعا لذلك الى آخر مرتبة في تطور نسق الاستهلاك الذي انخفض الى 4.6٪ في حين أصبح نسق نمو الاستهلاك في الجنوب الشرقي 10.7٪ مع العلم أن نسق نمو الاستهلاك الفردي على المستوى الوطني يمثل في نفس الفترة 6.5٪ وبقي الوسط الغربي يتميز بأضعف مستوى في الانفاق السنوي للفرد وذلك ب1138د أي أنه لا يتجاوز 60 بالمائة من المستوى الوطني. ومن الخاصيات الأخرى للجهة، الطابع الريفي السائد داخل ولاياتها، لاسيما في سيدي بوزيد، حيث يشير المسح الوطني للانفاق والاستهلاك الى أن مستوى الانفاق السنوي للفرد في الريف يقدر ب890د مقابل 1161 على المستوى الوطني.