الكل موجوع.. والكل يتألم على وضع تعيشه بلادنا وللأسف ليس اختياريا.. وضع لم يكن أحد يتوقع أن يصل إليه شعبنا ودولتنا يوما، لكن الحقيقة أننا في أزمة يجب الخروج منها بأخف الأضرار وبمكاسب عديدة وضرورية. الشعب التونسي اليوم يعيش ظروفا وأوضاعا لا يحسد عليها، حتى أنها أصبحت مفتتح الأخبار بنشرات الأنباء في تلفزيونات عربية وأجنبية وقد تساءلت هذه القنوات عن دور المثقف بالبلاد التونسية في هذه الأوضاع المزرية. سقوط مواطنين تونسيين برصاص تونسي.. وتهشيم وتكسير للممتلكات العمومية والخاصة.. ماذا يحدث وماهي أسبابه، ما هي الحلول اللازمة للخروج من هذه الأزمة؟ سألنا مجموعة من الدكاترة والمثقفين ببلادنا، وتقرؤون تحاليلهم وحلولهم في هذا الملف. إعداد: وسام المختار ونجوى الحيدري «سلوى الشرفي» ( باحثة في العلوم السياسية ودكتورة في علوم الإعلام والاتصال): العنف لا يجابه بالعنف أعتقد أن الشارع وضع بنفسه أسباب تحركاته المتمثلة في مطالب اجتماعية بالإضافة الى القضاء على الفساد والرشوة، وحرية التعبير كل هذه الأسباب فجرت أو أدت الى هذا الوضع. وخلال العام المنقضي ركزت وسائل الإعلام بطريقة عشوائية وغير عقلانية وغير معقولة ولا تتماشى مع امكانات البلاد، على تقديم وعود للشباب خلال السنة الدولية للشباب. الآن في 2011 كل هذه الوعود التي لم تتحقق جعلت الفتيل يشتعل...ويحترق وعندما بدأت التحركات كان سلمية، لكن من كانت له تجربة يعلم جيدا أن التحركات السلمية إذا طالت تصل حتما الى هذه النتائج وهذا يحدث في كل بلدان العالم. فالشارع ليست له ثقافة سياسية وليس حزبا سياسيا منظما وبالتالي الوصول الى العنف لا مفر منه. وشخصيا لا أرى أيادي خفية تحرك الشارع وحتى إذا كان الأمر كذلك هل سيتحرك ان لم يكن هناك مشاكل?! حاليا يجب أن نصلح الأمور ويجب أن تأتي مبادرة السلم من العاقل كما يجب أن يقوم النظام بشيء ما لإلغاء العنف فالعنف لا يجابه بالعنف. كنا في بداية الأزمة نطالب بمجموعة من التغييرات والآن هذه التغييرات لم تعد مجدية لأن الشارع يقول إنها غير كافية. ومن الحكمة أن نقبل الاعتراف بالفشل وهذا من شيم الكبار. الآن يجب تغيير كل الهياكل وتغيير الوجوه عبر انتخابات تشريعية حرة وتغيير تركيبة البرلمان، بطريقة تجعلها منفتحة على وجوه جديدة وشبابية وطنية المهم أنه عندما ننظر الى برلماننا نرى مجتمعنا كما يجب تغيير الحكومة وفتح الملفات وإجراء تحقيقات في كل التجاوزات التي ذكرها الشارع بما فيها الاعلام وأقصد بالإعلام السياسة الإعلامية. والاختيارات ولا أقصد الإعلاميين فالصحفيون التونسيون وطنيون ومتكونون جيدا والدليل نجاحهم خارج أرض الوطن ولكنهم لا يملكون زمام المؤسسة لأنها ملك رجل السياسة. ويجب كذلك فتح تحقيق بخصوص خيارات السياسة الإعلامية التي صبت الزيت على النار بتهميشها للمواطنين ولم يقم الإعلام بواجب الرقابة منذ البداية واجبه كسلطة رابعة إعلامنا هذا الذي أصبح يسمع قضايا مفتعلة منها خلاف بين زوج وزوجة نخصص له ساعتين وخلاف في ملعب كرة قدم نخصص له أسبوعا لماذا كل هذا الوقت لم نخصص منه القليل للحديث عن التجاوزات. الدكتور حاتم الفطناسي: صرخة شباب يتوق إلى التعبير ما يحصل اليوم هو صرخة من شباب يتوق إلى التعبير أوّلا، وثانيا هي انفلاتة أو إعلان عن غياب التأطير أو نقصه أو استقالة مكوّنات المجتمع المدني في تونس أي ما يسمّى في علم الاجتماع الفاعلين الاجتماعيين وعدم تحملهم المسؤولية صلب المواقع التي من المفروض أن يشغلوها.. أقصد الأحزاب السياسية والجمعيات وفضاءات الحوار الثقافي والفكري ومختلف النوادي الثقافية وفضاءات الإبداع. لابدّ أن ننظر إلى المسألة من منظار ثنائية الحوار والعنف لأنه إذا غاب الحوار يصبح العنف سيد الموقف في مجتمع اكتسب خصوصية تاريخية وهي ترسيخ آلية الحوار فهو الوسيلة المثلى بل الوحيدة للتعايش المشترك. إنّ ما يقع اليوم فيه الكثير من الاعتبارات وقابل لشتى التأويلات والبيانات التي اعترفت بالنقائص لكنها حملت معها تصورا لإصلاحها. لابدّ أن نترك الوقت لتجسيد تلك الإصلاحات والإيفاء بالتعهدات التي تهدف كلّها إلى مزيد خلق مواطن الشغل وتحسين المناخ السياسي وتفعيل آلية الحوار السياسي والاجتماعي والثقافي. لابدّ أن نساهم مثقفين ومبدعين وأصحاب أقلام حرّة في التعبير عن مواقفنا في كنف الاعتدال والانخراط في توعية الشباب.. قبلنا ونقبل ويقبل كلّ عاقل سماع الرسالة وفكّ شفرتها وفهم مضامينها، والرسالة بينة لا ريب فيها، نحن في حاجة إلى الحوار وإلى تحسين الأوضاع والإحساس بالطمأنينة وإعادة بناء الثقة بين الشباب ومجتمعه. لكن تواصل العنف يتعدى مجرّد تبليغ رسالة ما ويكرس الفوضى والتسيب. فليس من المعقول أن يتواصل الاعتداء على العامّ والخاصّ في شارعنا، وليس من المعقول أن نقاتل إخواننا ونعتدي عليهم.. إنّني أرى أن هذه الهبّة التي وإن كانت عفوية في بداياتها فقد أصبحت مقصودة مبيتة. إن ما يقع اليوم لا يمكن أن يتواصل لأنّ الخسائر ستكون أكبر وسنخسر ما بنيناه على مر السنين، فحين ترى مستودعا للحافلات يحترق لا يدخل البتة ضمن مطالب التعبير إنما هو مساهمة في تفقير شعبنا والعودة إلى الوراء. وأن يقع الاعتداء على الأملاك العامة والفردية في الشارع ليس إلا غياب للعقل ولمقومات التحضر.. مهما كانت الدوافع ومهما كانت المبررات لا يقبل العاقل ولا يقبل أي مواطن في دمه يسري حب الوطن أن يرى بلده يحترق. د. هالة بن علي (معهد الصحافة): الخطاب السياسي والاعلامي الرسمي عمّق الأزمة شخصيا أعتبر أن الخطاب السياسي والاعلامي الرسمي هو ما زاد في تعميق الأزمة، هذه الأزمة التي كانت نتيجة حتمية للفساد المتفشي في السنوات الأخيرة. فقد تبيّن أن المسألة ليست مسألة جهة أفضل من جهة اقتصاديا، المسألة ليست جهوية بل هناك ضغط كبير في السنوات الأخيرة وصمت على فساد كبير أفرز انفجارا، للأسف أخذ أبعادا خطيرة. من هذا المنطلق، الحلّ يتمثل في تغيير شامل في سياسة الدولة. وبخصوص اللجنة التي ستحقق في التجاوزات والرشوة والفساد وأخطاء بعض المسؤولين، يجب أن تكون مستقلة. ما وصلنا إليه اليوم من أوضاع هو نتيجة لقمع الاعلام، فالمصلحة السياسية تقتضي أن يأخذ الصحفيون حريتهم، فهذا أفضل من أن يلتجئ الشعب التونسي الى وسائل إعلام أجنبية. ففي غياب حرية التعبير يصبح المواطن يصدق أي شيء، لأن المعلومة الصحيحة غائبة في إعلام وطنه. وقد ذكرّني ما يحدث حاليا ببلادنا، بما يحدث في وقت من الأوقات في الجزائر. حيث تداخلت المصالح الشخصية مع الأحداث. وفي غياب المعلومة الصحيحة أصبح التشكيك سيد الموقف، وهو ما جعل الحديث عن تحرك أطراف في الحزب الحاكم ضد الحزب نفسه وكل ذلك حسب رأيي يعود الى ما بدأت به حديثي وهو أنّ الخطاب السياسي والاعلامي الرسمي لم يكن صائبا. د. عبد القادر الجديدي: الماء والخبز متوفران فلنوفر الكلمة الحرة الحياء يمنعني من استعمال ألفاظ وعبارات قد لا تليق : من العار أن تواصل القنوات الاذاعية بث الأغاني وبعض ضروب الاسهال اللفظي ونحن في حداد «على الوضع الذي نحن نتردى فيه وحداد على برامج اقتصادية مهمة عطلت وحداد على أحلام شباب جند له الرصاص وحداد على كل الوطنيين الذين يريدون التخفيف من هذا الوضع ولكنهم عاجزون في نظري ان ما وصلنا اليه اليوم نتيجة عوامل كثيرة: أولا: انقطاع الحوار بين الأجيال ثانيا: انعدام قنوات إعلامية مكتوبة ومسموعة ومرئية حكومية وخاصة تجسد بحق طموحات المواطنين وأحلامهم وغضبهم أيضا. لا يعقل أن لا يجد المواطن في هذه القنوات وجهه ووجه أطفاله وجيرانه ولا يعقل أن يأخد التونسي اليوم معلوماته من الخارج هذا الخارجي الذي نحن تنبذه لأننا نعلم خفايا نواياه لماذا يذهب المواطن الى القنوات أجنبية باحثا عن معلومة حدثت ببيته أليست هذه كارثة ? أليس هو الذي سبب القطيعة بين القيادة والقاعدة? هل يكفي أن نطور الاعلام في بلادنا بتعيين وزير وعزل آخر?!. التونسي انسان منتظم ومتحضر ومثقف ولكن كيف لا نمكنه من التفكير والتعبير? ...لماذا يفكر في مكانه أناس آخرون?! ولماذا نسند له أفكارا لا يؤمن بها?!. ثالثا: التونسي يحب التربة والراية ويؤمن بمجموع الاصلاحات التي وقعت ومصر على السير قدما ولكن في اطار الكرامة والاحترام المتبادل وذلك في جميع المستويات وللتذكير فانني شخصيا مع مجموعة من المثقفين قمنا بعمل ابداعي في اطار قناة تونس 7 غايته تناول موضوع حرية التعبير والصحافة بأسلوب هزلي يعتمد حب البلاد والقيادة ولكن فوجئنا بقطع بثه في اليوم الرابع من شهر رمضان من سنة 2001. في جميع بلدان الدنيا التي تنظم فيها المعارضة المسيرات الحرة يتخلل ركب المتظاهرين مجرمون وخونة، وبالتالي فانني أعتقد أن ما يحدث من تغريب وتدمير ممتلكات البلاد لا يمكن أن يكون قد صدر عن المواطن التونسي مهما كانت انتماءاته اذن فهي حالة عادية تشهدها البلدان المتقدمة يوميا. وللخروج من هذه الأزمة نقترح وبكل تواضع مايلي: 1 التهدئة 2 تمكين كل تونسي من التعبير عن آلامه وأرائه وأحلامه 3 حذف اللغة الخشبية من القنوات الوطنية لأن المقام لا يسمح بذلك. 4 التشريك الفعلي لكل الطاقات المبدعة في البلاد حتى تساهم في اصلاح ذات البيني. 5 الكف الفوري عن اطلاق الرصاص لأن نتائجه لا ترحم 6 التحقيق بشأن كل التجاوزات في اطار ديمقراطي وصريح، ومحاسبة كل المتجاوزين مهما كانت الأسباب والمسببات. لقد صعق كل الأجانب الذين يعرفون التونسي في مختلف الحالات أما مسألة حضر التجول فانه عمل أمني في سبيل حماية المواطنين وممتلكاتهم ومؤسسات الدولة. وأعتقد أن المواطن قد تفهم ذلك جيدا وهو قرار صائب. وأود الاشارة الى أنني قد درست شخصيا أجيالا من الصحفيين الذين منهم الآن من ينشط يوميا في جميع القنوات وأعلم علم اليقين حبهم لهذه التربة وتقديسهم لهذه الراية، فلماذا تكبل أقلامهم ولماذا يجبرون على ملازمة الصمت?! لقد آن الأوان الآن ورب ضارة نافعة أن نخدم هذه البلاد بكل صدق لأنها أقدس ما نملك. وفي الختام فاننا نعتز بكل ما أنجز ونطالب بالمزيد وهو أمر لا يمكن أن ننكره ولكن أيضا نريد ماء وخبزا وحرية كلمة. الماء والخبز متوفران فلتوفر الآن الكلمة الحرة...