لا يكاد يمر يوم في هذه الفترة دون أن نسمع عن تعاقد أحد الأندية التونسية مع لاعب في صفقة لا نحفظ منها إلا قيمتها المالية دون البحث في بعض الأحيان عن اسم اللاعب ومسيرته وقدرته على إعطاء الإضافة والطريقة التي تمّت بها عملية انتدابه، وهنا نستحضر ما حصل مع درامان تراوري وإيزيكال مؤخرا، وما حصل سابقا مع مايكل إنيرامو وسادات بوخاري وغيرهم. هذه الصفقات وعلى مرّ تاريخها كلّفت أنديتنا مبالغ مالية كبيرة مقابل مردوديتها الضعيفة سواء كان على الصعيدة الرياضي ونتحدث عن الألقاب التي ساهم هؤلاء في إحراز أنديتنا لها أو اقتصاديا عندما يتعلق الأمر بعملية بيعهم لأندية أخرى خارج تونس بغاية الاستفادة منهم ماديا. الآن أصبحنا نتحدث عن صفقات تبرم بالمليارات في الوقت الذي تعاني فيه الأندية من العديد من الهنّات من ناحية الهيكلة والتجهيزات والعناية بمختلف أصناف الشبان وغيرها من مواطن النقص التي تستحق استثمار هذه الأموال فيها بدل البحث عن التهافت نحو صفقات قياسية تلبية لرغبات معينة تصل في وجه من أوجهها إلى تنافس غير معلن بين رؤساء الأندية أو إلى كسب ود وتعاطف الجماهير مع انتداب من العيار الثقيل لتغطية باقي مواطن الفشل. هذه الظاهرة في عمقها لا يمكن للوضع المالي العام للأندية أن يتحملها فهي ما تزال تخطو الخطوات الأولى نحو الاحتراف لأن أغلب الموارد المالية لهذه الفرق تتأتى من مساعدات السلطة أو من بعض مداخيل الجماهير، كل هذا في ظل غياب مصادر تمويل قارة، ما جعل أغلب النوادي تعلق كل آمالها على ما يسمى برجالات النادي أو المتدعمين أو الأب الروحي (وهذه حال الإفريقي) أو شخص واحد يعطي بسخاء من أجل تحقيق هدف رياضي معين وهذا الوضع ينطبق على حمدي المدب رئيس الترجي... وبين الطريقتين لا نجد تصرفا ماليا ينبني على أسس علمية وفق نظام مالي محترف وهو ما يجعل الوضع المالي العام هشا كلما تعلق الأمر بإبرام صفقة من العيار الثقيل حيث تشهد ميزانية بعض النوادي عجزا في نهاية الموسم مرده اختلال التوازن بين المداخيل والمصاريف نظرا للعجز عن تسديد تكاليف تلك الصفقات على المدى المتوسط والبعيد. في أوروبا مثلا تبلغ قيمة تنقلات بعض اللاعبين عشرات المليارات لكن هناك استراتيجيات واضحة لكيفية تسديدها عن طريق الاستثمار والإشهار والترويج للأقمصة الرياضية التي تحمل اسم أو توقيع ذلك اللاعب بينما مازلنا نحن الآن نبتعد كل البعد عن تلك الثقافة فالنادي التونسي لا يكلف نفسه حتى عقد ندوة صحفية ليقدم اللاعب الجديد بشكل لائق... من جهة أخرى فإنّ النوادي التونسية حاليا وبالنظر إلى القوانين التي تحكمها تعتبر مرافق عامة ذات أبعاد اجتماعية تربوية بما يعني استيعاب الأطفال والشباب المنتمين لهذا النادي عن طريق أنشطة تثقيفية ورياضية حضارية (مثلما يفعل الأهلي المصري) تساهم في تأطيرهم وتبعدهم عن مظاهر العنف وتمكنهم بشكل من الأشكال من الاستفادة من هذه النوادي التي يساهمون بقسط معين في ميزانيتها بشكل مباشر أو غير مباشر... يأتي الأجنبي ليلهف مئات الملايين بينما يظل بعض شبابنا يبحث عن ثمن تذكرة لدخول المباراة يوم الأحد لمشاهدة هذا النجم وهنا تحدث صدمة كبرى عندما يجده على «البنك» أو في المدارج أو يلعب بطريقة تسبب الأرق للجميع وتجعلهم يندبون حظهم على ذلك المال المهدور في ظل وضع عام لا يحتمل المزايدة في هذا الموضوع... «الشروق» حاولت التطرّق إلى هذا الملف وإبراز اختلال العلاقة بين الصفقات الباهظة والوضع المالي العام لأنديتنا. محمد الهمامي قالوا عن هذه الظاهرة قالوا عن هذه الظاهرة قالوا عن هذه الظاهرة قالوا عن هذه الظاهرة قالوا عن هذه الظاهرة سامي القندوز (رئيس أمل حمام سوسة): على قدر الكساء.. وخزينتنا لا تحتمل المنطق يترجم حقيقة المثل العربي الذي يقول: «على قدر الكساء أمد رجلي...» ولذلك أعتقد أن لكل فريق كساءه وإمكاناته التي يدرك حجمها ويعرف هل أن خزينة ناديه تحتمل أو لا تحتمل وشخصيا وكرئيس لأمل حمام سوسة أرى أن جمعيتنا لا تستطيع انتداب أي لاعب أو القيام بأي صفقة كبيرة قد تبعثر أوراقنا أو لا تتماشى والموازنات المالية المبرمجة في حين أن بعض الأندية الأخرى قد تكون قادرة على ذلك وقد تبادر بإبرام صفقات كبيرة... وكبيرة جدا من أجل امتصاص غضب الأنصار أو ما شابه ذلك فضلا عن لهثها وراء ذلك قصد الدفاع عن حظوظها وخاصة القارية التي نعرف أن حوافزها أيضا كبيرة... وأعتقد أيضا أن الاعتماد على التكوين القاعدي قد يكون أفضل حتى وإن لا يصبر الكثيرون على ذلك ويحرصون على المطالبة بالنتائج الفورية التي ربما يرون أنها لا تفرزها غير حلول الانتدابات الكبيرة التي يكون فيها المنتدبون قادرين على تقديم الإضافة المضمونة... ع. الخميلي الأستاذ يوسف المحمدي (رئيس مستقبل القصرين): صفقة واحدة تنعش خزينة مجموعة أندية.. لماذا ؟ شخصيا أرى أن الصفقات الخيالية الكبرى ضرب من ضروب التفاخر والاستعلاء باعتبار أن واقعنا الرياضي لا يستطيع أن يحتمل دفع مئات الملايين أو مليار أو ما شابه ذلك للاعب نعده لمنتخب آخر ولا نعرف هل يفيد أم لا وهل يضيف ويقدم المأمول أو لا يقدم، خاصة إذا علمنا أن بعض المنتدبين وخاصة من الخارج تتجاوز صفقته ميزانية جمعية في الرابطة الثانية أو ميزانيات خمس أو ست جمعيات في الرابطة الثالثة وربما أحيانا تكون الصفقة متجاوزة لأندية رابطة وحتى رابطتين جهويتين، وهو أمر غير معقول ولا بد من وضع سقف لمثل هذه الصفقات الضخمة.. والضخمة جدا... خاصة أن واقعنا الكروي لا يحتمل كل هذا مهما قيل عن الاحتراف... الخميلي د. علي الوريمي (رئيس ترجي جرجيس): «الماء اللي ماشي للسدرة، الزيتونة أولى بيه» إذا كان بعضهم يستطيع إبرام الصفقات الضخمة التي تدرك مئات الملايين للفوز بخدمات لاعب كبير وخاصة الراغبين أو الذين يلعبون من أجل الألقاب ويشاركون في التظاهرات الإفريقية فإننا في ترجي جرجيس نعرف حجمنا وميزانيتنا وندرك حقيقة أهدافنا وطموحاتنا ولذلك فإننا لا نسعى إلى القيام إلا بما نستطيعه ولا يمكن أن نخلق في خزينة جمعيتنا أي عجز أو أي شيء قد يكون على حساب أشياء أخرى... وأعتقد أن كل طرف يعرف وضعه وهل يحتمل أم لا لإبرام الصفقات التي تبدو لنا خيالية أحيانا... غير أننا نعتقد في المقابل أن «الماء اللي ماشي للسدرة.. الزيتونة أولى بيه...» أي وبعبارة أوضح يمكن توظيف المال لخدمة الشبان الذين يعتبرون هم قناديل ولاعبي أكابر المستقبل كما يمكن دعم أبناء الجمعية أو المنتدبين بشكل موضوعي وواقعي أفضل من انتداب لاعب بمئات الملايين ولا نعرف هل يستطيع الانصهار في الجمعية أم لا. علي اسكندر البركاتي (أمين مال نادي حمام الأنف): غياب العقلية الاحترافية سبب البلية... «شخصيّا وبعد كل هذه السنوات التي قضيتها صلب نادي حمام الأنف لا أجد مبررا واضحا لتقوم الأندية التونسية بصفقات خيالية كهذه التي نشاهدها في الوقت الراهن وهي تعود حسب اعتقادي الشخصي لافتقاد المسؤولين إلى العقلية الاحترافية في التعامل مع ملف الانتدابات ولعل الغريب في الأمر أن بعض الأندية تصر على انتداب اللاعبين بالرغم من أنها تعرف ضائقة مالية؟ لذلك أعتقد أنه ينبغي القضاء على هذه الظاهرة سواء تعلق الأمر بالمبالغ المخصصة للانتدابات أو حتى الخاصة بالأجور وأؤكد أن صفقة ماهر الحداد لم تكن لتبلغ مثل ذلك المبلغ لو توفرت عدة معطيات منها موهبته الواضحة وكذلك عقليته الاحترافية بالإضافة إلى أنه تلقى تكوينا قاعديا متميزا في أصناف الشبان بفرنسا». سامي حمّاني كريم برباش (أمين مال الملعب التونسي): البنك المركزي بمقدوره التدخل قد نجد تفسيرا لاستراتيجية بعض الفرق التونسية التي تعتمد على صرف أموال باهضة من أجل الانتدابات التي تكلف ميزانية النوادي كثيرا من الأموال فهذه الفرق تلعب على ألقاب قارية وإقليمية وتحاول رصد تمويلات كبرى من أجل تحقيق هذه الأهداف. الانفاق على الشبان هي استراتيجية تعتمدها الفرق الصغرى التي لا تملك موارد مالية كبرى في محاولة لإيجاد منتوج داخلي خاص وتعويض قلة الموارد المالية. ولكن بالنظر إلى الوضع العام، بما أننا في دولة القانون والمؤسسات فإن البنك المركزي بإمكانه التحرك للتثبت من الأموال التي تصرف على هذه الصفقات وربما تحديدها بسقف معين حتى لا تصبح هناك نوع من المزايدات. من جهة أخرى لا يجب أن ننسى أن هذه الفرق التي تنفق بسخاء في بعض الأحيان تساهم في دخول العملة الصعبة من خلال التفريط في بعض اللاعبين لفرق أوروبية ولكن بصفة عامة السوق تخضع لعملية العرض والطلب ولذلك ترتفع القيمة المالية للاعبين. محمد الهمامي الجمهور: استنزاف للأموال وتهميش للشبّان أقدمت الأندية التونسية خلال الآونة الأخيرة على عقد صفقات بمبالغ مالية طائلة تكاد تكون أقرب للخيال منها للواقع وفي مقدمتها صفقة انتقال المالي درامان تراوري للترجي الرياضي مقابل أكثر من مليار بل وحتى الصفقات المحلية بلغت ذروتها وهو ما جسمته صفقة ماهر الحداد عندما انضم للنادي الصفاقسي مقابل 400 ألف دينار وذلك في الوقت الذي تعيش فيه أنديتنا على وقع أزمات مالية خانقة بلغت حد الاضراب عن التمارين بسبب عدم تسديد مستحقات اللاعبين! «الشروق» نزلت الى الشارع ورصدت الآراء فكانت كالتالي: طارق غزال: صفقات ضخمة وغير منطقية «ان هذه الصفقات الضخمة التي شهدتها الساحة الرياضية مؤخرا غير منطقية وغير مقبولة اذ كان بامكان الاندية التونسية المراهنة على التكوين القاعدي وتوظيف هذه الأموال الضخمة للعناية بأصناف الشبان بدل توظيفها في عقد صفقات غير مضمونة كما أن بعض هذه الصفقات قد تعود بالمضرة على المنتخب الوطني بعد تنامي عدد اللاعبين الأجانب». فتحي بن سالم: كان بامكان الأندية أن تراهن على شبانها «أعتقد شخصيا أن هذه الصفقات غير منطقية بالنظر الى الواقع المالي للأندية التونسية وأظن أنه كان بالامكان المراهنة على تكوين الشبان والاستفادة منهم وهي خطوة ستساهم في نجاح الاندية وستمكن كذلك من خلق نواة أساسية للمنخبات الوطنية». معتز خلفاوي: هذه الظاهرة مرفوضة «طبعا ان هذه الصفقات التي تقوم بها الاندية التونسية مقابل مبالغ مالية مرتفعة جدا تبقى مرفوضة وكان ينبغي على فرقنا الاستثمار في قطاع تكوين الشبان». عبد العزيز دالي: استنزاف واضح لأموال الأندية التونسية «من المؤكد أن مثل هذه الظاهرة تضر بالكرة التونسية بحكم أنها ستستنزف قسطا كبيرا من أموال أنديتنا التونسية». حسان بركة: ظاهرة فرضها واقع الكرة العالمية «شخصيا أعتقد أن هذه المبالغ المالية الطائلة التي تسخرها بعض الاندية التونسية في انتداب اللاعبين تبقى معقولة بالنظر الى واقع الكرة العالمية وقياسا بالقيمة الفنية لبعض اللاعبين مثل «درامان تراوري». محمد أمين مراد: مسؤولية الاندية «شخصيا أعتقد أنه ينبغي على الاندية أن تتحمل مسؤوليتها بالكامل تجاه هذه الصفقات الضخمة التي شهدتها الساحة الكروية في الآونة الأخيرة وأظن أنه ينبغي على أنديتنا أن تعول على أبنائها خاصة اذا لم يتوفر بحوزتها المال الكافي للقيام بالانتدابات الضرورية». سامي حماني بهدوء: يجنون الملايين ولم يتعظوا من دروس الآخرين بعض لاعبي كرة القدم في تونس وهم في الغالب من أصحاب الرؤوس الفارغة لم يستوعبوا الى حد اللحظة النعمة التي وهبها الله اياهم وهي نعمة المال الوفير الذي تمكنوا من جمعه بأسهل الطرق وأيسرها ولعل المؤسف في الأمر كله أنهم لا يوظفون هذا المال الطائل لخدمة البلاد والعباد وانما يسارعون الى اتباع الدرب المعوج فيصبح الانحراف جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية ولكن الذنب ليس ذنبهم طالما أنهم وجدوا ثلة من «المسؤولين» مستعدين وجاهزين لبذل الملايين في سبيل الابقاء على هذا النظام الكروي الذي لا يحاسب أحدا ولعل الغريب في الأمر أن هذه الفئة من اللاعبين واصلوا التلاعب بأعصاب الملايين ولم يتعظوا من دروس السابقين أو حتى ما يعيشه مثلهم من الشبان الحاضرين.