تتزاحم الأحداث... وتمر بسرعة... ولا يزال مشهد بلادي السياسي تحت المجهر... مجهر الفضائيات... ومجهر السياسيين... ومجهر المخابرات الدولية... تسلسل الأحداث لم يخضع الى منطق معروف سلفا... يتظاهر الشعب بكل فئاته... يثور على الظلم وعلى الفساد وعلى الدكتاتورية بكل أصنافها، سلاحه أصوات هتفت بما أقدم عليه البوعزيزي وبقية الشهداء الذين قضوا في سبيل الوطن... أسئلة حيرة تتزاحم، كلما مر يوم على ثورة الاحرار... أولها: من يريد لثورة تونس أن تكون ثورة «ياسمين»... ثورة مرتبطة بنواميس العالم التي وضعتها قوى الهيمنة في العالم...؟ هي ثورة الأحرار... ثورة الذين يمسحون الظلم مسحا... وثورة الذين يأبون أن يعوض الفاسد والدكتاتور بالبشر... ثار أهل سيدي بوزيد، وأهل الرقاب... وأهل دقاش وأهل بنزرت وصفاقس والكاف وسليانة وسوسة والقيروان والمنستير وباجة... ولا يزالون في حالة ثورة... كل ربوع بلادي ثار أهلها ضد الرداءة، ولن يسمحوا، وفق تلك الرسالة القوية، بأن يعود جزء منها، أو أن يكون الحضيض وريث الدكتاتورية... لن يسمع وطني، شبابا وشيبا، أصواتا ناعقة، لطالما خمدت وسكتت... وتغذت من زمن عفن... ولم تنبس بكلمة زمن العسر... تنبري الأصوات العرجاء... أصوات الناعقين، لتتحدث عن شرف لا يمكن أن تدعيه... من قبيل أنها كانت تثق بقدرات هذا الشعب الثورية...! لم نر أحدا منهم تظاهر... أو عرض نفسه للخطر أو الموت مثلما فعل البوعزيزي عندما ثار على الظلم... لم نر أحدا منهم جاب الشوارع التي غصت بالحناجر المرددة لشعارات الكرامة والاستقلال والحرية... بل لا أحد، وهو يغرق في متاهات السذاجة والعمالة رآه شعبنا المنتفض يشاركه الثورة على الضيم... والثورة من أجل الكرامة... صحيح، أن الحضيض ليس له قاع... وها نحن نشهد المبكيات المضحكات، سذج... من صنف «النطيحة والعرجاء» وقد انبرت أصواتهم مبحوحة... من وراء صورة البوعزيزي وكل شهداء ثورة الأحرار في تونس. انهم يريدون أن يتمعشوا من مكابدة الشعب الذي آثر على نفسه واقع مصنع جميل... أصوات ترتفع لتتجانس مع أصوات الهيمنة الامبريالية، لتحيك «لباسا» يرفضه التونسي جملة وتفصيلا... أصوات تتجانس مع أعداء شعبنا الحرة المستقل تحت تعلات قد تبدو لأصحابها أنها مؤثرة في أبناء تونس... لكن هيهات... أن يكون لهم ما يرغبون... الشعب التونسي ثار على الفساد وعلى الدكتاتورية ليصنع واقعا وطنيا حرا، لا لكي يضع مصيره بين أيدي مقتنصي الفرص... والوكلاء وسماسرة الثورة... لا أحد، بعد خمسة أيام من الثورة، يستطيع أن يدعي، أنه فهم شعب تونس... لا أحد... هذا الشعب الذي ثار بكل فئاته، منتصرا لدم الشهداء... لن يسمح بتحويل وجهة ثورته... لأن الجميع يتذكر ويعي، أنها ثورة الكرامة... ولا مكان فيها للحضيض... لأن الحضيض ليس له قاع...