قد تكون المرحلة الجديدة في الإعلام للذين لم يتورطوا في العهدين البائدين السابقين ولم يجنوا غير الطرد التعسفي والمظالم والقمع من الإعلاميين الذين تم تهميشهم ومحاولة تدجينهم وحتى تقزيمهم وذلك بسبب سوابقهم مع ديناصور الإعلام عبد الوهاب عبد الله و«أزلامه» الذين لا تخلو منهم مؤسسة إعلامية ولذلك وبعد وجود الصفحات وإثر الثورة العارمة التي من المفروض المحافظة عليها لابد من رد الاعتبار للإعلاميين النزهاء الأحرار الذين قد لا يرضى الرأي العام بغيرهم وخاصة الذين تلونوا مثل الحرباء وركبوا صهوة الثورة ليظهروا وكأنهم أبطال عساهم يحمون أنفسهم وما تحصلوا عليه ويدافعون في نفس الوقت عن مواقعهم... بعد كل هذا وذاك لابد من المطالبة بالمحاسبة ثم التدقيق في ذلك إثر بعث لجنة تقصي الحقائق في قضايا الفساد والرشوة والتجاوزات كما لابد من طرح السؤال وهو : من أين لك هذا؟ باعتبار أنه لا يمكن أن يمتلك بعضهم وفي مختلف القطاعات والجهات «الفيلات الضخمة» والشركات والأراضي الفلاحية الكبرى والمثمرة والجرايات والمنابات المشبوهة وحتى الفضاءات التجارية والسياحية وغيرها والحال أنهم كانوا مجرّد موظفين أو مجرد أناس عاديين... وبالتالي فإن الذي تم نهبه وضخّم «ثرواتهم» هو من المال العام أي مال الشعب أو من «الرشاوى» والتجاوزات وغيرها التي كان من المفروض أن تصبّ كلها في ميزانيات التنمية الشاملة وفي مختلف الجهات دون إخلالات ولا تباين ولا فوارق... أما أنهم أي أولئك الذين لم يعتقدوا يوما أن الثورة الشعبية ستندلع فإنهم غاصوا في بحر بل في مستنقع التجاوزات وذلك بكل نهم وجشع ومنهم من سجل الأملاك باسم زوجته وابنته وابنه حتى يضمن ويؤمّن لهم مستقبلا مريحا وبالتالي لابد من طرح السؤال والبحث عن سبل تضخيم ثرواتهم مقابل تقزيم وتجويع وتدجين الأغلبية وتهميشها من الشعب الكريم الذي لا يعلمون أنه ومهما كان حجم قمعه تكون ثورته أقوى وأشد وأكبر وفعلا كانت الثورة وكانت الكلمة للشعب ولشبابه المعطلين عن العمل الذين احتقرهم السماسرة من «البزناسة» واللصوص والفاسدين الذين يجب محاكمتهم والتدقيق في محاسبتهم باعتبارهم سرقوا أحلام وحتى حياة الشعب الذي أصبح الموت لا يعنيه بقدر ما تعنيه الثورة فحرق نفسه على غرار ما فعله الشهيد محمد البوعزيزي في سيدي بوزيد المناضلة والذي ترجم حقيقة ما جاء في النشيد الوطني «نموت... نموت ويحيا الوطن».. وفعلا مات البوعزيزي من أجل أن تحيا تونس ومات بعده العشرات من الذين اقتنصتهم أيادي الغدر والجذب إلى الوراء وذلك في مختلف أنحاء البلاد... وإذا نهب الرئيس المخلوع وعائلته الفساد والاستبداد ما يمثل 60٪ كاملة من ميزانية تونس فإن «أزلامهم» أيضا نهبوا وبنسب متفاوتة قبل أن تكشف الثورة بؤر وعورات الفاسدين وتعرّي حقائقهم لتعلن مرة أخرى أن المحاسبة ضرورة ملحة لابد منها خاصة أن بعض المقربين من عصابة الفساد والرئيس المخلوع وبدؤوا يتبرؤون من قرابتهم منهم بعد أن «طربلسوا» (نسبة إلى الطرابلسي) وأخافوا الناس وخلقوا فيهم الفزع مستمدين ظلمهم وقهرهم للشعب من عائلة الطرابلسي التي أصبح بعض الذين يحملون اللقب وهم من «الأبرياء» يخشون على أنفسهم بسبب حملهم للّقب بعد أن كان بعضهم أيضا يرعب حتى المسؤولين بلقبه كما يهدد أجهزة البوليس والديوانة بذلك.. والآن وقد حدثت الثورة فإن تونس تبقى أهم من الحكومة ومن كل الأسماء باعتبار أن بعض أطراف المعارضة أيضا وخاصة «الكرتونية» وحتى غيرها من التي «استقوت» بالأجنبي حتى وإن أردت البحث عن مصطلح آخر غير هذه الكلمة (إستقواء) كلها تبقى مرفوضة طالما أنها وجدت حظوظها خارج البلاد ووجدت الوسائل التي تبلغ أصواتها في حين كان الشعب يعيش البؤس والتعتيم والتقزيم والتجويع ومع ذلك لم يتورط هذا الشعب ولم يركع وظل صامدا رغم الاستبداد والفساد وهراوات البوليس الذي بدوره كان مقموعا وانتفض لواقعه يومي 21 و22 جانفي الجاري مؤكدا أنه من الشعب وإليه حتى وإن وجد نفسه مجبرا على أن يكون جهاز قمع وقهر؟؟!!!. ولذلك أعود إلى نقطة الصّفر وأطالب بطرح السؤال : من أين لك هذا؟؟.