يعدّ الأديب جلول عزونة أحد أبرز المناهضين في الحقل الثقافي لاتحاد الكتّاب التونسيين على امتداد العشريتين الاخيرتين... كما كان ضمن أعضاء حزب الوحدة الشعبية. في هذا اللقاء يتحدث ل «الشروق» عن حكايته مع الميثاق الوطني ورابطة الكتاب الاحرار وثورة الشباب التي أنهت حكما استبداديا. كنت من ضمن المحررين للميثاق الوطني سنة 1988... لو تذكر لنا ظروف صياغته؟ لم أكن ضمن المحررين لأن ذلك أوكل الى لجنة ترأسها المرحوم محمد الشرفي بصفته أستاذ قانون ولكني ساهمت في النقاش العام والتفصيلي ممثلا لحزب الوحدة الشعبية، وقدمت مع مناضلي الحزب مقترحاتنا كتابيا بعد نقاش داخلي. وكان تتويج تلك النقاشات الطويلة والعديدة تنظيم ملف تلفزي دام أكثر من ساعتين ساهمت فيه وألححت بالخصوص على الضمانات الاساسية التي يجب ان تسنّ بالقانون حتى نتجنب كل انزلاقات أو انقلابات ضدّ ما سيلتزم به المجتمع المدني والأحزاب السياسية. وكان من بين الحضور حامد القروي بصفته مديرا للحزب الاشتراكي الدستوري وأحمد المستيري ممثلا عن الديمقراطيين الاشتراكيين ومحمد حرمل عن الحزب الشيوعي ونجيب الشابي عن التجمع التقدمي في تلك الفترة ومنصر الرويسي ومحمد الشرفي. غير أنك سرعان ما تبرّأت منه؟ كنت أول من تبرأ منه ودعوت الى عدم امضائه من طرف حزب الوحدة الشعبية أولا واتحاد الكتاب ثانيا بصفتي في هيئته المديرة. لماذا؟ لسببين جوهريين: أ لأن بن علي لم يحل الحزب الحاكم كما أوهمونا بذلك باسم التغيير ولكن لم يقع اي تغيير. ب لأن الجهاز الامني بوزارة الداخلية وعلى رأسه محمد علي القنزوعي في تلك الفترة بدأ يلاحق مناضلي حزب الوحدة الشعبية ومسؤوليه بمنع اجتماعاتنا منذ أوت 1988 لأننا قررنا أن نبقى حزبا معارضا حقيقيا ورفضنا لعب دور ديكوري ورغم هذه التجذيرات الواضحة فإن الاحزاب والمنظمات كاتحاد الكتاب أمضت الميثاق وأعطت صكا على بياض لبن علي. فلما وجد هذا ا لاخير حرية التحرك قمع كل الاحزاب والمنظمات ووأد الميثاق. ما هي ردّة فعلك بعد امضاء اتحاد الكتاب على الميثاق؟ سجلت اعتراضي في محضر جلسة الاتحاد على هذا الامضاء وكنت الوحيد الرافض لهذا التمشي من جملة عشرة أعضاء. عارضت امضاء اتحاد الكتاب على الميثاق الوطني بتأسيس رابطة الكتاب الاحرار؟ قدمت استقالتي كتابيا من الهيئة المديرة ومن الاتحاد في جلسة مؤتمر علنية سنة 1996 في منطلق أشغال المؤتمر وبقيت مع عدد من الكتاب نفكر في صيغة بديلة الى سبة 2000 حيث تبلورت فكرة بعث رابطة الكتاب الاحرار وتقدمنا بطلب التأشيرة يوم 13 جويلية 2001 وقد صادف يومها انتخاب الأخ البشير الصيد عميدا للمحامين التونسيين لأول مرّة ووزعنا في حفل استقبال في دار المحامي في سكرة البيان التأسيسي للرابطة. ولكن وزارة الداخلية رفضت تسليمنا التأشيرة وبررت رفضها بسببين. وجود منظمة أخرى موازية وهي اتحاد الكتّاب. صفة «الأحرار» رفضتها الوزارة واعتبرتها صيغة «فئوية» فقدمنا قضية الى المحكمة الادارية لا تزال سارية الى اليوم وقد تولى تقديمها تطوّعا الاستاذ محمد الأزهر العكرمي. كنت تصرّ على تواجد الرابطة رغم المضايقات؟ كان الاعضاء المؤسسون كلهم اصرار على الوجود القانوني لهذه الرابطة رغم التضييقات والمحاصرة والملاحقة ومنع الانشطة بقوة البوليس وذلك إيمانا منا بضرورة التعدد الثقافي في بلد يعرف التعدّد السياسي. هل يمكن الحديث اليوم عن دور أكثر فاعلية للرابطة بعد الثورة الشعبية؟ لا شك أن للرابطة الآن أن تلعب دورا أكثر ديناميكية وأكثر تحريكا للساحة إذا ما قدّر لهذا الجوّ من الحرية الذي خلقته الثورة أن يتواصل وبالخصوص تدعيم النشاط المشترك مع جمعيات المجتمع ا لمدني التي عملنا معها بتنسيق تام طيلة السنوات العشر الماضية وتنويع هذه الانشطة، لأن هذا العمل الجمعياتي المشترك مثل في سنوات القمع والتضييق درعا لرابطتنا ونوعا من المناعة والحصانة. كمثقف... كيف عشت الثورة؟ عشت ثورة شعبنا وشبابنا بفرح عارم وانسجام مطلق مع شعاراتنا وعفويتها ووهجها لأن أي مثقف حقي وجد في هذه الثورة بدء تحقيق جزء من أحلام المثقفين. هل أنت مطمئن الآن على مسار هذه الثورة وعلى مكانة المثقفين في الأيام والسنوات القادمة؟ إن حدس المثقف وحسّه السادس الذي كثيرا ما يوصف بالرومانسية والطوباوية يقول لي: على المثقف ان يبقى حذرا حذرا يقظا يقظا لأن الانتكاسة والرجوع الى الوراء والالتفاف هي من سيمات الثورات اذا ما نقص حس المرابطة واليقظة ضد كل من يريد أن يجهض ثورة الشباب والشعب.