عبد الوهّاب المنصوري شاعر جاء من القصرين الى العاصمة قبل سنوات ونجح في أن يكون له صوته الخاص وسط «الزحام الشعري». كيف تفاعل مع ثورة الشعب؟ وكيف يرى المستقبل؟ «الشروق» التقته في هذا الحوار. ٭ كيف عشت الثورة وهل كنت تتوقّعها؟ ضيق الأحذية في اقدام التونسيين وآنسداد الآفاق في وجه أحلام الناس. وغباء الحاكم البوليسي.. هي كلّها مؤشّرات تنبّه منذ زمن إلى اقتراب لحظة الانفجار التي أعلنها الشهيد الاستشهادي محمد البوعزيزي انتصارا لكرامته..لأنّ الضرب على الوجه في عقيدة التونسي جريمة.وضرب المرأة الرجل في عقيدة البدو التونسيين وابناء القبائل الأصيلة لهو الفضيحة والعار... هب البوعزيزي غاضبا لكرامته المهدورة وهي في الأخير كرامة كل التونسيين من هذا الشعب المسالم الذي أصبح يصف نفسه بالجبن في طريقة اليمة لجلد الذات...كما انه عبّر بصدق بليغ عن انسداد الآفاق وموت الأحلام. اذ عندما تضيع لذة الحياة لا يصبح للوجود معنى..وفي طريقة الاستشهاديين الذين يموتون ليقتلوا العدوّ...استشهد ابننا البوعزيزي وتصرّف بحرّيّة في كل ما يملك وآخر ما يملك: الجسد. وكانت كل الظروف التي تعيشها تونس تدفع إلى الموت والانتحار..فكان الناس لا يتحدثون الاّهمسا ولا يثق أحد بأحد واحيانا لا يثق المرء في نفسه...فانخرط الناس بشكل تدريجي في التظاهر وفي كل الجهات وبالخصوص في منطقة تالةوالقصرين من أحرار الفراشيش وماجر الذين قدّموا كمّا وفيرا من الدماء الزكية وعددا كبيرا من الشهداء من أجل التحرّر... حتى تشكلت ملامح ثورة مجيدة سيتحدث عنها المؤرخون بإطناب متملّين جمالها وروعتها...مثنين على أرواح شهداء الكرامة والحرّيّة... وقد كنت متابعا لتحرّكات شعبنا البطل من خلال الفضائيات وعلى صفحات الأنترنات وشاركت بجهد متواضع في التأطير والتحفيز والدفع...وكنت أحيانا أنزل الى الشارع وألتحم بالجماهير...ووجدت أن صوتي مازال قادرا على الصراخ وأنّ ساقي تستطيع تحمّل الدفع والسير بين جموع المتظاهرين ...وكنت ألتقط الصور وأسجل المقاطع الجميلة والمؤثرة بجهاز الهاتف لبثها على صفحات ال«فايس بوك». ومازلت أتابع آخر تحركات المليشيات واعداء الشعب الى حدّ اللحظة... وأنا فخور وسعيد بان أطلقنا سراح تونس من بين أيدي مغتصبيها..ونحن الآن على الطريق الصحيح.. ٭ الآن هناك ثلاثة هياكل تعنى بالأدب والأدباء رابطة الكتّاب الأحرار ونقابة كتّاب تونس واتحاد الكتّاب كيف ترى التعايش بينها؟ الهياكل الأدبية الموجودة بتونس مثل اتحاد الكتّاب ونقابة الكتّاب والرابطة التونسية للكتّاب الأحرار هي كلها هياكل مشروعة وننتظر منها كثيرا من الفعل في المشهد الثقافي التونسي...ولا نرى تعارضا بينها طالما كانت تهدف إلى خدمة الابداع والمبدعين...بقي انه من الواجب احداث تغييرات كبيرة خصوصا في اتحاد الكتّاب التونسيين حتى يكون ممثلا لجميع الكتّاب...وأنا مع تنوع الهياكل الثقافية التونسية من اجل إبداع تونسي محترم. ناهيك انني كنت من مؤسسي رابطة الكتّاب الأحرار رفقة سليم دولة...وكان ذلك من اجل دعم الكتّاب خارج اطار المحسوبية ونظام العصابات الذي كان ينتهجه اتحاد الكتّاب التونسيين.. والمهم الآن هو العمل وكل من موقعه..وبالنسبة إلي أستطيع الانخراط في كل المنظمات.... ٭ هل ترى أن الكتّاب التونسيين كانوا أصغر من ثورة الشعب؟ الكتّاب الحقيقيون ليسوا أصغر من الثورة ....بل هم من يبشر بها منذ زمن بعيد...وهم من يدعمها عند تأججها وهم من يمتدحونها في نهايتها...لكن الوضع السابق لقيام الثورة لم يكن يسمح بوجود الرموز او الأبطال من المثقفين في تهميش واضح لأصواتهم عبر عديد الطرق والوسائل وكان أهمّها التجويع والاهمال ومنع صدور الكتب...وقد مررت شخصيا بكل هذه المراحل ولكنني مازلت حيّا...فشكرا للمصادفة الجميلة.. ٭ ما هي الأولويات التي يواجهها الكاتب اليوم؟ لعل من اهم المشاكل التي يواجهها الكاتب اليوم هي كيف يصدّق نفسه وكيف يعيد صياغة صوته وشخصيته ككائن حرّ لا يخاف...في تماه مع الوضع الجديد الذي لا غول فيه ولا بوليس ولا جوعا ممنهجا.بحيث يخلق الكاتب من جديد في هيئة بشر سويّ لا عيوب فيه...وهي مهمة قد تستغرق وقتا ليس قصيرا... ٭ كيف ترى المستقبل؟ اما المستقبل الذي اراه فهو باسم مشرق..وسنرى ولادة كتّاب كبار وقامات تونسية تضاهي الشابي العظيم ودرويش وغيرهما من المبدعين الكبار...فالحرية وضمان شروط الكرامة هما الضامنان لشروط الابداع. فلا كتابة خارج الحرية ولا ابداع تحت القيود والتهديد.. عاشت تونس حرة وعاش ادباؤها احرارا.