يكشف الأزهر الصحراوي في هذا اللقاء مع «الشروق» قصة روايته «وجهان لجثة واحدة» التي تم صنعها من الصدور في تونس، فرحل بها إلى الامارات العربية المتحدة لتشارك في المسابقة العربية للأدب الروائي سنة 2007 وتحصل على الجائزة الكبرى.. وفي الحوار بعض الهواجس الابداعية الأخرى وموفق من باجة قبل وبعد الثورة. ٭ الأزهر الصحراوي.. من يكون؟ عاشق للأدب والرواية منذ فترة الشباب من مواليد مدينة باجة، أدرس بالتعليم.. انطلاقتي الحقيقية مع الرواية كانت سنة 1977 وقد صدرت لي إلى حدّ الآن 3 مجموعات قصصية هي: أضاعوني (1997) قد دبّ السوس في الأخشاب (2000) متى كنت حيّا ( 2009) وصدرت لي رواية: «وجهان لجثة واحدة» في سوريا والامارات العربية المتحدة. وحاليا بصدد وضع اللمسات الأخيرة لرواية جديدة سيكون عنوانها أراجيف. ٭ لك رواية وحيدة صادرة.. إلا أن ذلك (أي صدورها) كان خارج تونس.. هل كان هذا الأمر اختيارا منك؟ بل أقول أنني كنت مضطرا لهذا الاختيار. ٭ لماذا؟ هذه الرواية تم منعها في تونس رغم عديد المحاولات حيث لم تحصل على الايداع القانوني.. كان ذلك سنة 2004.. قدمت مطلبا ونسخا منها إلى الجهات المسؤولة بوزارة الداخلية في تلك الفترة لكن كان الرفض لنشرها في تونس. ٭ ألم تحاول معرفة السبب؟ كان الصمت المطبق لذا وجدت الحلّ في أن أشارك بها في مسابقة الرواية العربية بالامارات العربية المتحدة.. وكانت الجائزة الكبرى التي خففت من حدة الغبن الذي عرفته وعشته في بلادي. ٭ إنها مفارقة غريبة؟ بالفعل.. لقد وقعت استضافتي في الامارات لأتسلم الجائزة الكبرى.. ولا أخفي سرّا إذا قلت أنني لم أكن أنتظر هذا التتويج غير أن لجنة التحكيم وهي متكونة من نخبة من النقاد المختصين في الرواية وأذكر هنا المثقف العراقي الكبير صالح هويدي لتتم التزكية والتتويج. ٭ لو تكشف لنا مضمون هذه الرواية؟ تناولت في «وجهان لجثة واحدة» الحركة الطلابية التونسية وتحديدا قوى اليسار الثوري الحالم في تفاعله مع النظام الدكتاتوري البوليسي من 1988 حتى 1991 وهي فترة تواجدي في الجامعة التونسية. ٭ بعد التتويج العربي لروايتك ألم تحاول مرة أخرى اصدارها في تونس؟ سعيت من خلال رابطة الكتّاب الأحرار التي تبنت هذه الرواية ودافعت عن ضرورة تواجدها في معرض تونس الدولي للكتاب كما لا أنسى دعم الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (فرع بنزرت). ٭ لم تذكر اتحاد الكتاب التونسيين؟ اتحاد الكتاب لم يحرّك ساكنا باعتباري أنني لست منخرطا فيه. ٭ كان عليك الانخراط حتى تجد هيكلا إبداعيا يحتضن إبداعاتك ويدافع عنه؟ لم أكن منخرطا لاقتناعي بأنه تعبير عن السلطة البوليسية الحاكمة، فهو هيكل مفرغ من الكتاب وشعاره الانتماء السياسي قبل الانتاج الأدبي.. هذا الهيكل يكرس مقولة الثقافة سند للحزب الحاكم لذلك همّش الكتّاب وصادر الكتابة. ٭ وهل ظهرت روايتك في معرض الكتاب؟ نعم، ظهرت في دورة 2009 بعد معركة خاضها الكتّاب الأحرار والكتّاب (الفلاڤة) الذين رفعوا شعارها افتكاك النشر ومصادرة الايداع القانوني الذي كان يقيّد الكتّاب والكتابة معا. ٭ أنتم فرضتم رفع الحظر؟ نعم، حيث تعمدنا إلى طبع نسخ شعبية تم توزيعها على الأصدقاء وعلى بقية التقدميين والديمقراطيين وساندنا في ذلك بعض الشخصيات الديمقراطية والتقدمية كجلول عزونة وسهير بلحسن إلى جانب بعض الصحف. ٭ بعد الثورة.. هل هناك نيّة لطبعه في تونس؟ الكتاب الآن موجود في تونس، لكن بطبعته الاماراتية والسورية وحاليا أدرس بعض العروض من دور نشر تونسية لإصداره في بلدي الحرّ اليوم. ٭ أعود إلى مضمون: «وجهان لجثة واحدة» لأسأل لماذا الحركة الطلابية في إبداع روائي؟ ما جعلني أختار هذا المضمون الجانب التاريخي والتوثيقي باعتبار أن الحركة الطلابية التونسية لم تدرس تاريخيا ولم يتعامل معها إبداعيا رغم ريادتها للنضال الطلابي في العالم. ٭ هل من الضروري على المبدع الروائي أن يكون ثوريا؟ لا أخفي سرّ إذا قلت أن التأليف الروائي عندي منحدر في ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي، فأنا أرى في الكتابة وسيلة نضال وطريقة في التعبير الفني عن هموم الوطن، فالأدب خاصة والفن عامة منارة تكشف للشعب طريق الحياة الكريمة لذلك كانت كتابتي في صلب المطالب التي رفعتها الثورة وهي الحرية والديمقراطية والمواطنة والعيش الكريم في وطن نحمله في وجداننا ونعبّر عنه في أعمالنا الابداعية. ولذلك أعتبر أن روايتي الأولى والثانية وهي مسداة إلى محمد البوعزيزي بمثابة الوقود لإشعال هذه الثورة. ٭ من وجهة نظرك أي دور للكاتب في المستقبل؟ دوره مراقبة ما يحدث وتعرية كل ما من شأنه أن يلتف على المطالب الاستراتيجية للثورة لغاية الفضح والتعرية والمحاسبة فعلى الكاتب أن يتفاعل نقديا مع ما يحدث وأن يكشف الزيف ويحافظ على الأهداف الكبرى لثقافة الثورة. على الكاتب أن يحاسب نفسه لأنه ضمير الشعب الذي يستشرف مستقبله ومصيره عامة. ٭ باجة.. بعد الثورة كيف هي؟ هذا السؤال يستدعي الحديث عن باجة قبل الثورة حيث انفردت بها قوى اقطاعية وعشائرية فرسمت سياستها المتمثلة في سيطرة الحزب الحاكم من العهد البورقيبي إلى تاريخ الثورة، فقد همّشت القوى الديمقراطية وأجهضت كل حركة تقدمية وفرغت الساحة بذلك الحزب الحاكم فضعفت القوى المناضلة في مستوى الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني. وبعد الثورة.. همّش الحزب الحاكم بمعية قادة الاتحاد الجهوي للشغل بباجة كل حركة نضالية تساند التحركات في البلاد أو تعبّر عن المطالب المتعلّقة بمختلف القطاعات ممّا أربك القوى التقدمية المناضلة في المدينة وجعل عملها في غير الانتظارات المتوقعة إضافة إلى التعتيم الاعلامي الشامل فلم يلتفت إلى التحركات الجماهيرية في باجة ولم يستمع إلى المطالب التي ترفعها الجماهير المحتجة على الحزب الحاكم إضافة إلى (تغوّل) «الميليشيات» التابعة لهذا الطرف أو ذاك وغايتها إسكات الأصوات الغاضبة وتقديم صورة مشوهة عن نضال القوى الديمقراطية والتقدمية في مدينة باجة مما جعل لجنة حماية الثورة في الجهة مهمّشة إن لم نقل مشلولة. ٭ هل من توضيح؟ من المفارقات الغريبة أن النقابيين يعتصمون في ساحة محمد علي للمطالبة بتنحية المركزية النقابية في حين أن وهذا نقابيا من باجة قدم متوسلا عبد السلام جراد التدخل لدى الكاتب العام الجهوي للشغل بباجة لفتح المقر أمام النقابيين في الجهة لأنه مغلق منذ نصف شهر وهذا يدل على ضعف العمل النقابي في الجهة. ٭ هل هناك بوادر وفاق؟ في اللحظة الراهنة المشهد غير واضح، يمكن أن يطرد المكتب التنفيذي من الاتحاد وهو يستقوي الآن بالمليشيات للدفاع عن رموزه ويمكن أن يحافظ المكتب التنفيذي على حضوره واقصائه للمناضلين النقابيين والتقدميين فيجتمعون في المقاهي ومقرات العمل مما يجعل دورهم النضالي مهمّشا ومحدود الفاعلية في المستقبل. ٭ هذه نظرة تشاؤمية؟ لأن عسكرة مدينة باجة من العهد البورقيبي لا يمكن أن تفرز بين عشية وضحاها حركة منسجمة وموحدة تستطيع الفعل والتأثير في مستقبل المدينة والوطن.