الأستاذ منصر الرويسي ابن المناضل موسى الرويسي وابن أخت الزعيم يوسف الرويسي، من مواليد دقاش ( ولاية توزر)، متحصل على الإجازة في علم الإجتماع من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتولوز ومتحصل على الدكتوراه في علم الإجتماع من جامعة رينيه ديكارت بالسوربون. كان موضوع دراسته «التاريخ الإجتماعي للجريد» متحصل على ديبلوم خبير ديمغرافي من جامعة باريس، وله كتاب عن «السكان والمجتمع في المغرب العربي» نشر عدة دراسات ومقالات في ميدان تخصصاته, عمل بالتدريس بكلية العلوم الإنسانية وباحثا زائرا بجامعة هارفارد الأمريكية وخبيرا بالأممالمتحدة بسوريا وبالمغرب، وفي 11 أفريل 1989 عين وزيرا للشؤون الاجتماعية ثم في فيفري 1991، عين وزيرا للثقافة ثم وزيرا للتكوين المهني والتشغيل في 9 جوان 1992، وفي جانفي 2001 عين وزيرا للتربية ثم وزيرا للتربية والتكوين في سبتمبر 2002. تحمل في سبتمبر 2003 مهام سفير تونس بباريس، تمت تسميته في جانفي 2007 رئيسا للهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية. ٭ حاورته: رشأ التونسي ٭ عرفت في بداية حياتك الطلابية النضال من أجل الحرية والديمقراطية؟ قبل سنة 87 كنت عنصراً ناشطاًَ في المجتمع المدني، عضوا نشيطا في الإتحاد العام التونسي للطلبة، من مؤسسي نقابة التعليم العالي والبحث العلمي، كنت حريصا على أن أتحرى النزاهة في تعاملي مع الأشخاص دون أي خلفية أو تحيز، مثلاً لم أكن من أنصار أحمد بن صالح أو موافقاً على سياسته أيام التعاضد، لكنني معجب بوطنيته وبفطنته وحركيته ونظافة يده، عندما أقيل من الحكم، كان مهدداً بالمحاكمة والسجن، لم يدافع عنه أي من آلاف المعجبين والأنصار والمتزلفين، أو ينتصر له، في كامل الجمهورية كان هناك فقط 49 شخصاً أمضوا عريضة يطالبون فيها أن لا يكون بن صالح كبش فداء، كنت محرر تلك اللائحة، وعرضتها للتوقيع ، لم أتحصل إلا على 49 صوتاً للدفاع عنه، شنت علينا بعدها الصحف الرسمية حرباً شعواء، كنت دائماً أؤمن بالديمقراطية والتعددية، بعد 7 نوفمبر اعتقدت ككثير من أمثالي أنها فرصة وإن لم تكن مضمونة النتائج للتخلص من ثقافة الحزب الواحد، وأردنا استغلال الفرصة كي يكون 7 نوفمبر فاتحة عهد لإرساء نظام سياسي جديد ودولة قانون.كان عندي قناعة أن تونس نتيجة لخصائصها المتعددة، وشعبها المتجانس والمتفتح، تتميز بوجود أرضية لوفاق وطني عريض، الطبقة الوسطى التي تمثل الأغلبية تتمتع بمستوى ثقافي رفيع، ونسبة التحضر فيها مرتفعة، ويوجد توافق على جملة من القيم من الممكن أن يتأسس عليها نظام ديمقراطي تعددي، كنت متأكداً أن الفروق والإختلافات بين مختلف التيارات السياسية يمكن أن تثري المشهد السياسي، و هي أقل من الفروقات والإختلافات القائمة ضمن حزب واحد مثل الحزب الإشتراكي الفرنسي، كانت قناعاتي أن التجانس يمكن أن يؤسس لوفاق وطني عريض ولنظام ديمقراطي متين وقوي، انخرطت كعديد من الناس في برنامج 7 نوفمبر كرهان يستحق أن نقبل به، لم يكن من الممكن التخلي عن تلك الفرصة، حاولت جاهداً أن أفسح المجال لكل الكفاءات التونسية من مختلف الحساسيات و في كل المجالات، عملت دون أي خلفية ومن غير حساب للوصول إلى موقع خاص. و أراد بن علي أن أكون في الديوان الرئاسي، فاشترطت مواصلة التدريس إلى جانب عملي في الديوان، وبالرغم من أن خطتي سياسية، لكنني عينت مستشاراً للشؤون الإجتماعية وقد ترأست لجنة لتحرير وتطوير الإعلام تكونت باقتراح مني من السادة الحبيب بولعراس ومحمد بن إسماعيل وضعنا تقريراً لم ينفذ مع الأسف وسعيت إلى صياغة ميثاق وطني يجمع كل الحساسيات دون استثناء, فالديمقراطية تفرض قدراً من التوافق حول القيم السياسية، ولا تستقيم إلا على جملة قيم لكل الفرقاء بما فيهم الإتجاه الإسلامي. وكان هذا هدف «الميثاق الوطني» شاركت كل التيارات السياسية في الميثاق الوطني ما عدا حزب العمال الشيوعي التونسي الذي رفض الدعوة التي وجهت له وكذلك رفضت حركة الوحدة الشعبية التي يرأسها أحمد بن صالح المساهمة في الإمضاء على الميثاق الوطني بعد مشاركتها في الحوار لاشتراطها الحصول المسبق على تأشيرة. كنت أؤمن أن الميثاق الوطني لابد أن يسمح بتوسيع المشاركة للجميع، بما في ذلك الإتجاه الإسلامي، فهو حركة شعبية موجودة عبر الجهات ولا يمكن استثناؤها من العمل والتواجد، ومن المرفوض استئصالها أمنياً، كنت أؤكد أن شرط سلامة الدولة التونسية وشرط بقاء الحزب الإشتراكي الدستوري واستمراره هو أن يتحول من حزب وحيد ومهيمن وملتصق بالدولة إلى حزب قادر على القبول بالمنافسة السياسية مثل بقية الأحزاب، ودعوت إلى الفصل بين الحزب الحاكم والدولة والإدارة، وإلى أن لا يكون الرئيس رئيس الحزب، وإذا تم ترشيح رئيس من طرف الحزب فلابد أن يستقيل من رئاسة الحزب، لذلك طلبت تكوين لجنة تشرف على الحملة الرئاسية مستقلة عن الحزب، و نتج عن ذلك أن العديد من المسؤولين ناصبوني العداء وكأنني عدو للحزب، كانت الفكرة بالنسبة إليهم هدامة، لكن بن علي قبل بالفكرة، وكنت المشرف على أول حملة انتخابية سنة 1989، وقد رددت بعض وسائل الإعلام أنني أشرفت على الحملة الإنتخابية سنة 2009، لكن ذلك خطأ، كانت حملة 1989 هي الأولى والأخيرة بالنسبة إلي. ٭ ماذا جرى للميثاق الوطني؟ كلمة «الميثاق الوطني» أصبحت محظورة («تابو») ومن شبه الممنوع التداول في شأنها، وبالرغم من أنني حررت الميثاق الوطني وقرأته في موكب مشهود فلقد قامت حملة في نفس اليوم لمنع بثه في التلفزة. ٭ لماذا لم تبتعد إذن؟ انطلاقاً من قناعات ثابتة وراسخة بأنه يجب اغتنام الفرصة حتى ولو كانت صغيرة لإقامة نظام تعددي جدير بهذه البلاد، تحركت بكثافة وقوة في هذا التوجه، كنت محل ريبة من طرف أطراف تربوا على ثقافة الحزب الواحد. سعيت في تلك الفترة لإعادة الإتحاد العام التونسي للشغل إلى موقعه الأصلي وسالف نشاطه، ولم تكن تلك الفكرة تحظى بتأييد كبير، خاصة أننا كنا في فترة تنفيذ برنامج «الإصلاح الهيكلي»، ويقتضي ذلك تجميد بل وتقليص الأجور، وكان البعض يعتقد أن الإتحاد سيطالب بزيادة الأجور وذلك يتناقض مع برنامج «الإصلاح الهيكلي» وكان يخشى من مواجهة مثيلة ب 26 جانفي، لكن رغم هذا كنت من أشد المدافعين عن عودة الإتحاد إلى سالف دوره، وتوصلنا إلى تكوين لجنة برئاسة «الحبيب طليبة» وعقد مؤتمر سوسة لإعادة تنظيم الإتحاد، وكنت من العناصر النشيطة لإعادة القيادة الشرعية للإتحاد العام التونسي للشغل. تعرضت نتيجة لمبادراتي إلى حملات شرسة وإلى مقاومة شديدة طالت رموزا من عائلتي، وعلى سبيل المثال فبالرغم من أن خالي يوسف الرويسي من مؤسسي الحزب الحر الدستوري الجديد ومن أبرز رموزه وهو مدفون بروضة الزعماء بالجلاز فإنه كان يستثنى من موكب الترحم عليه بمناسبة ذكرى وفاته خلافا لبقية الزعماء ما عدا مرة يتيمة انتظم فيها موكب أشرف عليه الحبيب بولعراس، وفي بداية التغيير كان هناك مشروع لفتح قاعة في مقر التجمع باسم يوسف الرويسي وقبر المشروع، حتى لا يبرز اسم الرويسي خوفا من أن أكون أنا المستفيد. تسلمت وزارة الشؤون الإجتماعية في إطار خطة لإبعادي عن الديوان الرئاسي وللإيقاع بي بما أنني محسوب على اليسار وصديق للإتحاد العام التونسي للشغل، كان هناك أمل وبطبيعة الظرف أنني سأفشل في مهمتي وسأخيب أمل الإتحاد إن لم ألب طلباته، وأن اتحاد التجارة والصناعة سيقاومني، لكني توفقت إلى فتح المفاوضات بين الاتحاد التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة، حولنا الإطار العام للمفاوضات إلى اتفاق لثلاث سنوات هي في الحقيقة الفترة التي كانت تفصلنا عن نهاية المخطط، وتواصلت مثل هذه الاتفاقات على ثلاث سنوات إلى يومنا هذا وكانت زيادة الأجور رغم احترازات البنك الدولي، وتمكنت من التخلص من الفخ المنصوب بحكمة، وفي تلك الفترة أيضاً تحصلت جمعية النساء الديمقراطيات على الترخيص للجمعية بسعي مني. ومكنت جمعية النساء التونسيات من أجل البحث والتنمية على مقر، وأنشات مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) وكانت في مجلس الإدارة بالخصوص عضوات من جمعية النساء الديمقراطيات. وتعرضت بسبب ذلك أيضا إلى حملة شرسة بتهمة المثابرة على السعي لتنقيص سلطة التجمع بما في ذلك داخل مجلس النواب عند مناقشة مشروع قانون الكريديف وقاطع عدد من النواب جلسة التصويت بحيث لم يكتمل النصاب وأجل التصويت إلى جلسة لاحقة. ٭ يتهمونك أنك كنت العقل المدبر لبن علي؟ بقيت في الديوان الرئاسي أقل من عام ولكنها كانت فترة عمل مكثف ومرهق في بعض الأحيان من طرفي للمساهمة في وضع أسس نظام ديمقراطي تعددي و«لقطع خط الرجعة» إن أمكن. لم أكن في يوم من الأيام عضوا في الديوان السياسي، لم أتول أي وزارة سيادة، ولم أحصل في يوم من الأيام على أي امتياز مهما كان. زاولت العمل في وزارة الثقافة بضعة أشهر، ثم وزارة التكوين المهني والتشغيل التي أحدثت لما كنت بوزارة الشؤون الاجتماعية في إطار خطة لتقزيمي لما فشلت خطة «المصيدة» ثم أسندت لي وزارة التربية ثم وزارة التربية والتكوين. ثم عينت سفيرا في باريس حيث بقيت أقل من عشرين شهراً، ووضع حد لمهامي في ظروف صعبة جداً وطلب مني أن أغادر إقامتي بالسفارة في أقل من 24 ساعة وحلت بالمقر أسرة الرئيس في نفس اليوم الذي غادرت فيه واضطررت أن أجد سكنا في ظروف صعبة جدا لأفراد أسرتي لتعذر مصاحبتي في العودة إلى تونس، كانت عندهم ملامة علي وعلى عائلتي أننا نتكلم بصراحة غير مرغوب فيها ولا نتحرج من إبداء الانتقاد لبعض الأمور. ومنذ عودتي من باريس لم ألتق بزين العابدين بن علي إلا مرات معدودات جدا. فكيف يمكنني أن أكون العقل المدبر لبن علي كما يدعي البعض؟ وعندما كلفت بالاستشارة الوطنية حول التشغيل سنة 2008، توخيت نهجا شبيها بالنهج الذي توخيته في الميثاق الوطني، لم أستثن أي كفاءة من الكفاءات، دعيت كل الأحزاب للمشاركة، وكل من لديه رأي دون استثناء، وباعتراف الجميع فإن تقرير الاستشارة يتميز بالصراحة والجرأة الكبيرة في طرح التشخيص والمقترحات وقد طرح بدقة ووضوح ما طرحه شباب جهات الوسط والولايات الغربية وولايات الجنوب أثناء الثورة الحالية, ٭ ماذا قدمت الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية منذ تأسيسها؟ - نحن نعمل في إطار معين، نساعد من اتصل بنا لرفع مظلمة، الهيئة لا تملك القرار، حاولت أن أوصل شكوى من توجه لنا بمظلمة، نجحنا في القليل وأخفقنا في الكثير، لم أرفض أي طلب، عندما توجهت لنا جمعية النساء الديمقراطيات، سعيت للحصول لفائدتها على منحة لمواجهة الوضع الصعب، ثم تحصلت على المنح التي أسندت للجمعية من الخارج بعد أن تم الحجز عليها، وتمكنت الجمعية من الحصول على مقر بفضل التدخلات التي قامت بها الهيئة العليا. كما ساعدت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان منظمة العفو الدولية للحصول على محل لعقد مؤتمرهم، العديد من المواطنين استطاعوا الحصول على جوازات سفر بمساعدة الهيئة العليا، كما سعيت جاهدا لإيجاد حل للأزمة التي فرضت على الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وواجهت الرفض من العديد من الأطراف ضد الرابطة. وقبل الثورة كنا قاب قوسين أو أدنى من التوفق إلى إيجاد صيغة تمكن الرابطة من أن تعقد مؤتمرها بعد أن حاولت العديد من المرات وبإلحاح كبير ولم أوفق لأنني لست سلطة القرار، التوجه الثاني الذي عملت من أجله جاهداً هو مراجعة المهام والوضع القانوني للهيئة من أجل أن تكون هيئة مستقلة على المستوى الدولي وعضو في لجنة التنسيق في الأممالمتحدة شأن مثيلاتها، وصدر قانون 2008، وتحصلت للمرة الأولى على منزلة ملاحظ في لجنة التنسيق الدولية. ٭ هل أنت راض عن وضعية الهيئة العليا لحقوق الإنسان وإنجازاتها؟ لست راضياً تماماً لوضعية الهيئة وإنجازاتها. ٭ هل أنت مقتنع بما قدمته أثناء وجودك في الحكومة؟ خرجت من الحكومة في سبتمبر 2003 وأعتقد أنني في المجالات التي عملت فيها، تمكنت من أن أحدث تغييراً، في التكوين المهني، الإصلاح التربوي، وأنا مقتنع بما قمت به بعيداً عن المجال السياسي، رغم محاولات من طرف البعض لتهميش المجهودات القائمة، عندما توليت وزارة الشؤون الثقافية كان المخطط الثامن قد أغلق، لكنني فرضت أن يعاد النظر في المشاريع المدرجة فيه، وتمكنت من الحصول على تمويل للقيام بدراسة من أجل بناء مركب ثقافي مهم وهو الذي يبنى حالياً في تونس إذ ليس من المنطقي أن يكون المسرح الوحيد في تونس العاصمة هو مسرح أنجز في عهد الحماية كما تمكنت من الحصول على تمويل لصيانة الآثار.. ٭ ما هو رأيك في ما جرى هذه الأيام؟ هي ثورة مباركة ضد القمع وانتهاك حقوق الإنسان ونهب ثروات البلاد والعباد. تونس بلد متجانس ولابد من دعم اللحمة الوطنية بتوخي سياسة حازمة في مجال التنمية العادلة والمتضامنة ولابد من العمل على توسيع مجال مشاركة الشباب في الشأن العام ودعم ثقته في المستقبل وتونس مؤهلة أن تكون البلد العربي الوحيد لإرساء دولة قانون تقوم على التعددية وإحترام حقوق الإنسان وذلك منذ فترة طويلة، ربما تأخر الحدث نوعاً ما لكنه كان والحمد لله، قناعتي الراسخة أن التعددية والديمقراطية ممكنة، وبلدنا جدير بذلك، هناك القاعدة والأسس الموضوعية لنظام سياسي يعتمد ذلك.