لعلنا لا نجانب الصواب إذا قلنا إن مهاجم النادي الافريقي أمير العكروت بقي في نظر جماهير الأحمر والأبيض لغزا كبيرا وعلامة استفهام أكبر يتألق ويسجل فتهتف له يبتعد فتدور حوله التكهنات وتلاحقه الاشاعات وتطارده الاتهامات ومع ذلك فقد ظل أمير صامدا، مستمرا بالرغم من كل الضربات الموجعة التي تلقاها الى ان حل ركب تلك الرصاصة «الطائرة» يوم 15 جانفي الماضي والتي اخترقت صدر اللاعب وكادت تلحقه بشهداء الخضراء في ثاني أيام الثورة المجيدة وكاد يخلف وراءه والدا في خريف العمر وأما أصابها السقم وأربعة أشقاء عاطلين عن العمل كانوا ومازالوا في كفالته وتحت رعايته.. ولكن الله عزّ وجل كتب له عمرا جديدا وهو ما جعل العكروت يعتبر يوم 15 جانفي تاريخا مفصليا في حياته ولم يتردد في القول بأن هذه الحادثة إنما هي نفحة من نفحات الرحمان وليس أمامه الآن سوى انتهازها والانقضاض عليها لعله يستلهم منها طريق الثبات والصلاح بعد أن كان متمرغا في وحل الذنوب حسب ما اعترف لنا به.. «الشروق» تحوّلت إلى منزل العكروت الذي لم تلتئم جراحه بعد فوجدناه كعادته متماسكا مبتسما حتى وإن بدت عليه علامات الذبول والشحوب محاطا بشقيقه ووالدته الفاضلة نبيلة علولو العكروت بالاضافة الى أحد أحباء النادي (خليل شهر «شنوة»). عملت بحارا ونادلا وتاجرا لذلك أنا سعيد بثورة الشعب يستجمع أمير كامل قواه قبل ان تعود به الذاكرة الى يوم 14 جانفي الماضي حيث يقول: «لقد كنت مثل اي فرد من أبناء هذا الشعب العظيم في حالة من الانتظار والترقب الى أن اطلعنا على الخبر اليقين بشأن هروب الرئيس وتحققت بذلك إرادة الشعب التونسي وكانت سعادتي عارمة بهذا الحدث التاريخي خاصة أن شباب تونس كان له الدور الأكبر في الاطاحة بالنظام السابق وقد كنت أحد المواطنين الذين واجهوا في حياتهم الظلم والقهر والحرمان فأنا واحد من أفراد هذا الشعب وأكثر الناس معرفة بما يدور في خوالجه فقد اشتغلت مثل جميع البسطاء في عرض البحر وكذلك كنادل في المطاعم وعملت ايضا في التجارة لذلك أنا ابن الشعب وكل من يعرفني يصرّ على أنني «شعبيست»... حسام الطرابلسي هدّدني بالنفي! بما اننا تحدثنا عن سنوات الظلم التي واجهها الشعب التونسي في العهد الماضي فقد تذكر العكروت ذلك اليوم الذي استدعاه فيه أحد أقطاب «الطرابلسية» وهو حسام الذي كان على رأس فريق نجم حلق الوادي والكرم آنذاك وهدّده بالنفي إن هو أقدم على اللعب في المقابلة التي جمعت «البقلاوة» (التي كان العكروت يتقمص ألوانها آنذاك) أمام فريق نجم حلق الوادي والكرم الذي كان في حاجة الى نقاط المقابلة... ويعترف العكروت في هذا الصدد بكل مرارة انه لم يكن بوسعه سوى الاستجابة حتى لا يكون مصيره الترحيل خارج البلاد بالرغم من ان هذا الإجراء لا يشمل في العادة سوى المعارضين السياسيين! لم أصدق أنني سأبقى على قيد الحياة يوم 15 جانفي تسارعت كما هو معلوم الأحداث في بلادنا وامتزجت مشاعرنا آنذاك بالفرح ولكن ايضا بالكثير من التحفظ نتيجة ذلك الانفلات الأمني الرهيب الذي عاشت على وقعه كامل الفئات والجهات، في ذلك اليوم قصد العكروت منزل صديقه حسام المجاور لمنزله بحي النصر وكان رفقتهما صديقهما الثالث محمد بودبوس وبمجرد حلول موعد خطر التجوّل وتصاعد الأحداث في المنطقة لم يكن امامهم سوى ملازمة المنزل غير انه امام ازدياد أصوات الطلقات النارية ارتأى ثلاثتهم ان يواكبوا ما يحدث عبر شرفة المنزل فباغتت رصاصة طائشة العكروت على مستوى الصدر (أقل من 5 صنتيمترات عن القلب) وقال أمير إنها كانت مرتدة (يبدو انها اصطدمت بالجدار قبل اختراقها لصدر أمير) وهو ما ساهم في التقليل من فاعليتها وفي هذا الصدد يقول العكروت: «أذكر انني سقطت أرضا ولكنني لم أفقد الوعي كليا فسلمت مفاتيح السيارة لصديقي وأخبرتهما باللجوء إلى أفراد الجيش الوطني وكان ذلك في حدود الساعة السابعة والنصف مساء... بكل صراحة لم أكن أعتقد أنني سأبقى على قيد الحياة فقد استنزفت الكثير من الدم... أذكر انني وقبل إجراء العملية استعنت على الأمر بتلاوة سورة البقرة وما تيسر من القرآن الكريم.. قبل ان أدخل في غيبوبة تامة حتى اليوم الموالي حيث انتفضت وسألت الطبيب هل أنا فعلا مازلت على قيد الحياة؟! لذلك أعتبر شخصيا أن تاريخ ميلادي الحقيقي لم يعد أبدا يوم 14 ماي 1983 بل هو يوم 15 جانفي 2011 وأعتقد ان هذه العملية تحمل في طياتها الكثير من الدروس والعبر فقد جاءت لتخبرني بأنه قد حان الوقت للتخلص من جميع الذنوب التي ارتكبتها سابقا كما أنها كشفت لي عن النوايا الحقيقية لكل الذين اعرفهم فلئن تقاطرت فئات عريضة من جماهير النادي الافريقي على المستشفى في أيام الشدة شأنها في ذلك شأن العديد من المسؤولين وفي مقدمتهم السادة كمال إيدير وعبد السلام اليونسي ومحسن الطرابلسي.. وحتى رئيس الوحدة السعودي اصرّ على الاتصال بي من المملكة للاطئمنان على وضعيتي الصحية... وذلك مقابل بعض الأشخاص الذين تنكروا لي على غرار السيد محمد الدرويش الذي اكتفى بكتابة ارسالية قصيرة وبعث بها إليّ عبر هاتفي الخلوي.. أما الصدمة الأكبر فكانت بكل تأكيد حسب ما أخبرنا به العكروت عن رفيقه في الفريق أسامة السلامي الذي لم يسأل عنه؟! في الوقت الذي ساندته على محنته عدة شخصيات رياضية حتى من فرق أخرى قال العكروت إنها تنتمي الى الترجي الرياضي ونادي حمام الانف... وقال العكروت انه يعتبر النادي الافريقي عائلته الثانية لذلك يحزّ في نفسه كثيرا إقدام بعض المسؤولين على عدم أداء واجبهم إزاء أحد لاعبي النادي وقد كشفت والدته في هذا الصدد بأن ابنها تكفل بكامل مصاريف العملية التي أجراها (حوالي 10 آلاف دينار) وقال العكروت إنه كان في حاجة الى إحاطة معنوية فحسب ولا يهمه مطلقا الحصول على المال في مثل هذه الظروف الاستثنائية. ٭ السيدة نبيلة علولو العكروت (والدة أمير): إبني تحمّل مسؤولية عائلته بالكامل تحدثت والدة أمير بكل تلقائية فقالت: «لقد حمل أمير على عاتقه مسؤولية ثقيلة جدّا فقد تكفل بمصاريف إخوته الاربعة: حمدي ومحمد علي والهادي وأحمد بالاضافة الى أنه عمل على إرضاء والديه فقد قصدت شخصيا الأماكن المقدسة خلال خمس سنوات على نفقته الخاصة لذلك كان الله عزّ وجل أرحم من ان يسلب منّا وجوده الى جانبنا وقد جاءت هذه الحادثة لتغيّر مسار حياة إبني أمير نحو الأفضل..». حديث عن المستقبل.. ختم العكروت حديثه بأنه عاقد العزم على العودة بقوة إلى الميادين بمجرد التخلص بصفة نهائية من مخلفات جراحه... ولم يترك أمير الفرصة تمرّ دون ان يشير الى استيائه الشديد تجاه بعض الأطراف التي تصرّ في كل مرة على بثّ اشاعات مغرضة تجاهه وقال إنه يحزّ في نفسه كثيرا إصرار البعض على تشبيه نجاته من هذه الحادثة باهداره لفرصة الاستشهاد كما دأب على إهدار الفرص أمام المرمى؟!