ربما يكون السبب جمعيات التجمع وكذبة المجتمع المدني.. فقد شنّف النظام البائد أسماعنا بأغنية المجتمع المدني ودولة القانون.. القانون الذي فصله على مقاس ألاعيبه وإجرامه، فكان فستان سهرة قبيح رقص به كل السفور في كل المناسبات. وقد أسس النظام البائد لصورة مجتمع مثالي لدولة مثالية شديدة الاشراق والبهرج. صورة تصلح فقط أن تكون بطاقة بريدية تروج لمنتوج سياحي شديد الجودة.. وهذا هو السبب حسب رأيي الذي جعل التعتيم فاحشا حول كل ما يمكن أن يشوّه تلك البطاقة البريدية أو يفقدها بريقها كالبطالة المتفشية أو الفقر أو الجوع أو التهميش.. ولعل أبرز مكونات تلك الصورة المشرقة للمجتمع المدني الزائف من تعددية أحزابه الفضفاضة الموالية لكذبه ومن جمعيات متنوعة. أما عن الأحزاب فإني لا أحب أن أتحدث فالصورة واضحة وجلية للعيان.. بل سأتحدث عن الجمعيات.. فقد لعبت هذه الجمعيات في السنوات الأخيرة دورا رياديا في إكمال وتلميع صورة المجتمع المدني. جمعيات وهمية انتشرت على طول البلاد وعرضها.. حتى تزيد من عدد الأيدي المصفقة للمسرحية السخيفة التي كانت تبث دون انقطاع في كل الأوقات.. نحن أبناء القصرين مثلا شهدنا في الآونة الأخيرة تأسيس عدد مهول من الجمعيات الوهمية شبابية وثقافية لعبت لعبة حقيرة مع سياسات النظام البائد ضد حاملي الشهائد العليا. فقد اندرجت جل هذه الجمعيات إن لم أقل كلها في اتفاقية تخريبية مع الدولة في إطار منظومة تكفل الدولة بدفع نصف الأجر، فأبرمت هذه الجمعيات عقود تشغيل وهمية مع ما يقارب 300 حامل شهادة عليا في ولاية القصرين فقط. وقد كانت هذه المؤامرة تحاك بكل خبث ودناءة من قبل رموز النظام البائد من أبناء الجهة وعلى رأسهم رئيس اتحاد منظمات الشباب ومندوب الثقافة والمحافظة على التراث وكل رؤساء الجمعيات الذين كانوا يتبجحون بأغنية حل مشكل البطالة وارتفاع نسبة الادماج لحاملي الشهائد العليا في عجلة التشغيل التي في ا لحقيقة ساقوها هم ورؤساء العصابات للدوس على عقول وأرواح شباب المنطقة. المؤامرة إذا كانت تقضي بإبرام عقود تشغيل توهم الرأي العام بأنه قد وقع انتشال عدد كبير من حاملي الشهائد العليا من مأساة الفقر والبطالة في حين أنه كان يمارس أبشع استغلال ومهانة وإذلال لهؤلاء الشباب.. فقد تمّ الاتفاق بين هؤلاء الأطراف على توزيع هؤلاء المتعاقدين على مؤسسات عمومية يعملون بها دواما كاملا مع مراقبة مشددة وحضور إجباري.. في حين أنهم لم يكونوا يتمتعون بأي ضمانات قانونية لا حسب ما يقتضيه قانون الشغل ولا اتفاقيات التشغيل ولا حتى العقود الموقع عليها خاصة في ما يتعلق بالأجر والضمان الاجتماعي، وقد كان ذلك أضعف الايمان الذي كان هؤلاء الشباب يطالبون به طوال الفترة السابقة لثورة 14 جانفي.. لكن كما يعلم الجميع اليوم لم تكن الأبصار ترى ولا الأسماع تصغي إلا لصوت التصفيق للمعجزة التنموية. ولعل اليوم يستغرب الكثيرون ممن لا يعلمون هذه الحقائق يستغربون الأصوات المرتفعة من قبل الكثير من الشباب العاطلين عن العمل للمنحة المقترحة من قبل الحكومة الانتقالية. أما الآن لعله قد بطل العجب بعد أن عرف السبب خاصة وأن هذه العقود الوهمية لا تزال سارية المفعول الى اليوم ولم تتطرق لها الحكومة الانتقالية ولو حتى بإشارة.. بينما يقع الشباب من حاملي الشهائد العليا والمتعاقدين مع هذه الجمعيات في حيرة قاتلة وفي غضب شديد.. هل سيتواصل العمل بهذه العقود التي غبنتهم في ظل العهد البائد؟ هل ستحل هذه الجمعيات ويتم انتداب المتعاقدين معها في صلب المؤسسات التي عملوا بها طوال ثلاث أو أربع سنوات؟ وبالتالي سيقع تعويضهم عن كل معاناة الاستغلال والضيم وبالتالي سيقع محاسبة كل من ساهم في تنفيذ هذه الجريمة؟ أم ان الحكومة الجديدة ستكتفي بتعويض العقود الوهمية بمنحة البطالة؟ وتعود ريمة الى عادتها القديمة؟ هذا سؤال يطرحه عدد كبير من الشباب اليوم نرجو من الحكومة الانتقالية الإجابة عنه بأسرع ما يمكن لأن الإجابة فعلا مفصلية بالنسبة الى الكثيرين خاصة في ما يتعلق بمنح الثقة اللازمة لهذه الحكومة.