عندما يصدح منّور بالكلمات (وهي بدء الوجود) فالمقصود هي الحرية التي تتخذ من الكلمات شكلا مسموعا يلهم البشر ويرفع الشاعر منهم إلى مقام الأنبياء. فالكلمة الحرة معدنها الحرية والحرية عنوان الكرامة والكرامة إحساس الإنسان بما أودعه فيه ربه من توق إلى السمو إلى مقام الالوهية الذي يستخلف الله منه ادم على الأرض. وهو مقام يعلو منزلة الملائكة المقربين. والكلمة الحرة عندما تكون عنوانا للكرامة تحمل في طياتها قوة دفع ربانية لا يقدر على صدها الظالمون ولوكانوا طغاة. ولأن العيش كريم أو لا يكون فإن إرادة الحياة ليست غريزة المحافظة على الذات بل تفعيل للشهادة بأن الله حي لا يموت. وشعبنا يحيا بإذكاء كل فرد منا في أعماق نفسه حب الانتماء إليه. لأن حياة الأفراد من حياة الشعوب والشعوب الحية تمظهر إنساني للوجود الإلهي على الأرض يجعل من دنيانا جنة الخلد الموعودة. فإن نحن أردنا أن نولد من جديد في ثورتنا المجيدة فلن يكون لنا ذلك إلا بتخلي كل واحد منا عما علق به من درن الفئويات والجهويات ومختلف أنواع الأنانيات وهي الأمراض الاجتماعية التي تصيب الشعوب وهي في غفلة عن كرامتها وحريتها مكتفية بما يكتبه لها القدر من الدون فتستكين لفعل المتجبرين. ذلك أن الشعوب التي يهجرها الله يتمكن من مصائرها «نوابه على الأرض». فيتشبهون لها في شكل «أمير» أو «خليفة» أو«حامي الحمى والدين» أو«قائد الثورة المستولي على الثروة». فيتنامى في ظل حكم هؤلاء المشركين انخرام النسيج الاجتماعي الذي يتجسد فيه الشعب فتتصحر فيه فضاءات الحرية ويغيب من أفق وجوده الإحساس بالكرامة التي بدونها يفقد الإنسان ما يفرقه عن بقية الحيوان وتنزع عنه الروح بعد أن تستولي على عقله النوراني النفس الأمارة بالسوء. ولقد صدح بها منور : «حيوان أنت لا تفقه لولا الكلمات». «ونبات أو جماد أنت لولا الكلمات». وقبل ذلك قال «أوتخشى الناس والحق رهين الكلمات» مذكرا المؤمنين بأن تحرير الكلمة تحرير للحق وإحياء لوجود الله فينا وبيننا نستمد قوتنا من قوته التي لا تقهر. فنحن سنحافظ على قوة مدنا الثوري التحريري الذي لا يقهر ما حافظنا على وحدتنا كشعب متضامن الأفراد يمارس كل واحد منا الجهاد الأكبر بتجاوز المصالح الآنية الضيقة والفئوية المحدودة علما أن ذلك هو الطريق الأضمن لانجاز ما نصبو إليه جميعا من تحقيق العيش الكريم. وكرامة العيش كما الحرية جماعية أو لا تكون. فمن يدوس كرامة غيره لا كرامة له ومن يستعبد غيره ليس بالحر. ومن يقنع بالدون وبالعيش بين الحفر يقتل في نفسه مقومات الإنسانية ويصح فيه القول بأن لا حياة لمن تنادي. والعيش الكريم يتجاوز معناه لقمة العيش التي يبتغي ضعاف الحال منا اغتنام فرصة الثورة لضمانها لأنفسهم. فما تعد به الثورة هو الحرية والكرامة. لأنه بعكس ما روج له الطغاة فإن الحرية ليست من الكماليات. بل هي مادة غذائية أساسية يجب على النظام السياسي الذي سنبتغيه لأنفسنا في كنف الشفافية القصوى بعد الانتخابات أن يقوم بدعمها المتواصل لأنها كالعدل أساس العمران وركيزة الاستقرار السياسي الحي الذي ينتعش في إطاره الاقتصاد المبدع والخلاق والذي من شأنه أن يضمن العيش الكريم لكل الفئات الاجتماعية وأن يقربنا ما أمكن من الأمة الوسط التي نبتغي أن نكون . فالنظام السياسي الجاهل بأهمية الحرية في إحياء الشعوب كثيرا ما يقوم بجعل الحرية مادة نادرة سرعان ما تدفع الحاجة الملحة لها إلى البحث عنها في مجالات المعارضة السياسية التي تستمد شرعيتها من المضاربة بالحرية بصفتها مادة غذائية أساسية نادرة يعدل الحاكم عن توفيرها لشعبه. وعندها تتحول المعارضة الصحية التي يضمنها النظام الديمقراطي لنفسه باعتبارها دعما لاستقراره السياسي الدائم الحراك إلى معارضة انتهازية طريقة عملها المضاربة في سوق الحرية السوداء. وبصفتها تتمعش من ندرة الحرية فكثيرا ما يكون دعم الحرية من طرف النظام الديمقراطي الذي جاد لنا القدر بإمكانية بنائه وبالا على كل المضاربين السياسيين. والنظام الاستبدادي والمعارضة التي أفرزها من بين المضاربين في سوق الحرية النادرة ينتميان في الحقيقة الى نفس الحقبة التاريخية التي على ثورتنا تجاوزها بالتخلص من رواسبها المختلفة. وما بقي نظامنا يدعم الحرية كمادة غذائية أساسية فلا خوف على مستقبلنا من داء الانتهازية السياسية المبنية على المضاربة بالحرية في السّوق السّوداء.