كانت الثورة عفوية، والفوضى كانت نتيجة تلك العفوية، لكنها اليوم يمكن أن تسبب خطرا على هشاشة الوضع وعدم امكانية تأطير أهداف الثورة بعد أن كثرت الجهات التي تحاول التهام مكتسبات لم تتكون بعد، وتنظيم الحياة العامة والخاصة واليومية أساس استقرار الوضع، ومطلب أساسي من مطالب المجتمع، الاضرابات والمطالب تتفاقم كل يوم متسببة في تدهور أوضاع هشة، انفلات اعلامي وأمني يضع سمو الثورة في خطر، وانفلات نقابي يضع كرامة الثورة على المحك، لقد كانت تونس أول دولة عربية منذ سنوات طويلة تحقق انتقالية سلمية وحرة نحو ديمقراطية نأمل أن تكون في مستوى الثورة .تاريخ تونس تعزز منذ 14 جانفي، لكنه كان منذ القدم تاريخا مجيدا، اليوم المجال مفتوح لكل ما هو ممكن والتعددية احدى أهم شروط الديمقراطية، وتونس من أكثر البلدان العربية التي تملك ثقافة نقابية عريقة، وفي هذا الاطار بدأت الجامعة العامة التونسية نشاطها بعد أن «أطلق سراحها» بعد أربع سنوات من تأسيسها بفضل قيام الثورة. لذلك ستكون هذه المنظمة من الثورة وفي خدمة أهداف الثورة. لا بد من القطع مع نموذج ثقافة «الحزب الواحد» وبصفة موازية ثقافة « النقابة الواحدة». كيف كانت فكرة تأسيس نقابة غير الاتحاد العام للشغل؟ تأخذ هذه المبادرة بعين الاعتبار التحولات العميقة والشاملة التي حصلت في تونس، اضافة الى عجز المنظمة النقابية على مواكبتها منذ عقدين. ومبدأ حق في العمال الانتماء الى نقابة تتماشى مع مصالحهم مضمونة في القوانين التونسية ضمن الفصل الثامن من الدستور، وفي مجلة الشغل فصول 242 250 252، تؤكد على الحق النقابي كما حق التعبير، حق التنظيم، ومن لا يؤمن بذلك ليس ديمقراطيا .والتعددية جزء من الحريات العامة، وهي تتنزل في اطار التقاليد الأصيلة المؤسسة لتنظيمات الحركة النقابية في مختلف أطوارها ،نتيجة عجز المنظمات الفرنسية آنذاك عن الدفاع عن حقوق العمال التونسيين، والتعبير عن طموحاتهم. ومبادرتنا تهدف الى اصلاح الحركة النقابية وتجدد رؤاها، وطرق عملها، واعادة تأسيسها استنادا الى تعددية فعلية وتعايش مثمر لمصلحة الطبقة الشغيلة والمجتمع والوطن. للحركة النقابية أصول راسخة وقديمة؟ محمد علي الحامي أراد بعث تعاضديات وليس نقابات، عمال الرصيف طالبوا بنفس أجور عمال مرسيليا، وطالبوا بقيام نقابة تونسية، وفي سنة 1924 قامت أول منظمة نقابية وطنية هي جامعة عموم العملة التونسية التي نحمل اسمها اليوم ضمن حركة تحديثية بقيادة نخبة نيرة من المجتمع التونسي بقيادة محمد علي الحامي. لكن ما ان تشكلت حتى تعرض مناضلوها وقياديوها الى القمع والتنكيل والنفي والتشريد من قبل السلطة، لكن ارادة الطبقة الشغيلة التونسية لم تنطف، فكانت التجربة الثانية باحياء جامعة عموم العملة التونسية على يد بلقاسم القناوي سنة 1937، ور غم التحديات والعوائق الخارجية التي اعترضت التجربة، لم تستسلم الطبقة الشغيلة، وأعادت تنظيم صفوفها مرة ثانية سنة 1946 في اطار الاتحاد العام للشغل، بقيادة الشهيد فرحات حشاد مستفيدة من الظروف الذاتية والموضوعية الملائمة . هل كان للحركة النقابية دور في حركة التحرير؟ الحركة النقابية الوطنية التونسية، استطاعت فرض وجودها ابان مرحلة التحرر الوطني على الساحتين الاجتماعية والوطنية، بفضل استراتيجيتها التي ربطت بين الكفاحين الوطني والاجتماعي، وتحالفها مع الحركة الوطنية التونسية مع الحفاظ على استقلاليتها، بعد ذلك كانت التجربة النقابية لما بعد الاستقلال؟ شكل الاتحاد العام للشغل منذ بداية مرحلة بناء الدولة مرحلة هامة من القاعدة الاجتماعية للنظام السياسي في نطاق ما يسمى اذاك بالجبهة الوطنية، وحقق عديد المكاسب الاجتماعية للشغيلة التونسية، في مجال الأجور والتشريعات الاجتماعية والحماية الاجتماعية. لكنه اعتمد آليات عمل تقليدية ومركزية مشطة وهيكلة قديمة، واتسمت علاقته مع السلطة بالتذبذب، من الولاء المطلق الى المعارضة، ضمن نقابة وطنية لم تخرج عن دائرة الفكر المحافظ الذي كان سائدا في فترة الحركة الوطنية، فلم يستطع الاتحاد أن يتحول بعد الاستقلال الى منظمة اجتماعية للطبقة الشغيلة، اذ بقي سجين الاجماع الوطني الذي لم يعد له مبرر، ومن العوامل التي ساهمت في استمرار الأوضاع في الاتحاد على شاكلتها التقليدية في مستوى المفاهيم والهيكلة والتسيير، تأثر المنظمة الشغيلة، بل استبطانها واستبطان العديد من اطاراتها طوال عشرات السنين لثقافة «الحزب الواحد» التي بنيت على شاكلتها وبصفة موازية لها ثقافة « النقابة الواحدة» شهد الاتحاد من السبعينات الى الثمانينات مرحلة ذات أهمية خاصة؟ تحققت في تلك المرحلة عديد المكاسب الاجتماعية مثل افراز السياسة التعاقدية التي مكنت الفاعلين من ابرام القوانين الأساسية والعقود المشتركة، والعقد الاداري المشترك، والزيادة في الأجور، وخوض عديد النضالات في مختلف القطاعات مما جعل الاتحاد قوة توازن حقيقية في البلاد . كيف تأزم الوضع بين السلطة والنقابة في 26 جانفي 78؟ كانت للسلطة مسؤولية كبيرة في تعكر المناخ الاجتماعي بسبب ارتفاع الأسعار، والاعتداء على الحق النقابي، مما أدى الى انفجار الوضع الاجتماعي، واعلان الاضراب العام مع ماترتب عنه من أحداث دموية، واعتقال مئات النقابيين من بينهم قيادة الاتحاد. في تلك الفترة وبعد أن اثبت الاتحاد شرعيته النضالية، تكرست مرحلة متميزة على مستوى الديمقراطية؟ بعد استرجاع الاتحاد مكانته اثر انعقاد مؤتمر قفصة أواخر سنة 81، نتيجة صمود نقابي رائع، شهدت الحركة النقابية مدا قويا من الاضرابات والتجمعات والمفاوضات والمكاسب، وتكرس في تلك المرحلة مستوى من الديمقراطية لم يعرفه الاتحاد من قبل، الا أن ذلك تزامن مع سلسلة من تصفية الحسابات بداية من سنة 82، على خلفية انقسامات نقابية لم تكن السلطة غريبة عنها . ما هي تلك الخلفيات؟ قضية الاستثناء والجبهة الوطنية، انطلقت باقصاء عدد من الكتاب العامين للاتحادات الجهوية والجامعات، وتواصلت بطرد أكثر من سبعة أعضاء من المكتب التنفيذي ،ثم توسعت لتشمل عدد من النقابيين ضمن ما يعرف «بحملة التجريد من الصفة النقابية» سنة 84 . ثم كان مؤتمر ديسمبر 84، الذي فتح المجال أمام تعبيرات ومواقف ايجابية، وقرارات هامة تتعلق بالحقوق والحريات العامة والفردية. والعفو التشريعي، هل تغير الوضع بعد 7 نوفمبر 1987؟ بعد 7 نوفمبر، انعقد مؤتمر سوسة أفريل 89، في ظل موازين قوى مختلة نتيجة التراكمات السلبية السابقة، وتشتت صفوف النقابيين بين مناضلين من أجل استقلالية الاتحاد وتابعين للسلطة، ومتحالفين مع التيار السلفي . ماذا كانت نتائج مؤتمر سوسة؟ مثل مؤتمر سوسة منعرجا في مسيرة الاتحاد، غير وجهته، وقطع مع ثوابته الأساسية، وانحرف عنها، اذ فقد هامش الاستقلالية التي كان يتمتع بها، وتحول الى منظمة خاضعة وفاقدة لكل رؤية نقدية واستشرافية لبعد نضالي، وحول المشرفون عليه قيادته الوطنية والقطاعية والجهوية الى هياكل يغلب عليها الطابع الاداري مما قزمه، وأفقده مكانته على الساحة الوطنية وموقعه واشعاعه في أوساط الحركة النقابية. ماذا شكل ماسمي «بالتصحيح النقابي»؟ - التصحيح النقابي تمثل في استبدال الأمين العام في سبتمبر 2000 بمساعده الأول، فقط عملية لسحب البساط أمام تغيير حقيقي في حياة الاتحاد، ورغم مساهمة المناخ العام الذي انعقد فيه مؤتمر جربة الاستثنائي في فيفري 2002، وفي فتح الباب أمام تعبيرات ومواقف ايجابية فانه لم يرتق الى مستوى متطلبات تجاوز حالة التعطل البنيوي، وانسداد الأفق وما أنجز في السنوات التالية لم يتعد الجزئيات. كذلك خلال المؤتمر الحادي والعشرين للاتحاد في ديسمبر 2006 في المنستير الذي طغت عليه الحسابات والمناورات الانتخابوية على حساب المسائل الجوهرية. هل هذه الأسباب التي دفعتكم لتأسيس الجامعة كنقابة بديلة؟ هي ليست بديلة فنحن نؤمن بالتعددية، بعد محاولات الاصلاح التي باءت بالفشل، أردنا احياء نقابة محمد علي وحاولنا تكوين نقابة حسب القانون لكن اصطدمنا برفض السلطة، مما اضطرنا الى تقديم شكوى لمنظمة العمل الدولية، وتبنت المنظمة قضيتنا، وجاءت الثورة وسويت الوضعية ووافقوا على النقابة مثلما وافقوا على الأحزاب. ماذا ستحمل الجامعة من اضافة؟ أولا: ستعمل على فهم العمل النقابي ومبادئه ونعتبر أن الاستراتيجية لا بد أن تكون مدروسة على بحوث، وقد قمنا لمدة سنوات بدراسات وبحوث عبر مواضيع عدة في «جمعية محمد علي للدراسات والبحوث والتكوين» . ثانيا : نعتبر النقابة شريكا في التحول الاجتماعي، وفي هذا الاطار طرحنا عقدا اجتماعيا جديدا للدفاع عن مصالح العمال وتمثيلهم، واصلاحات في نظام العلاقات، واصلاح هشاشة الوضع النقابي، ولا بد من اصلاح وتطوير الانتاج التونسي، ودور المؤسسات الذي له أهمية كبيرة بما أنها تخلق الثروة وتوزعها. ومؤسسة هشة تنتج شغل هش، ووضع عامل هش، والنقابة سلطة مضادة تهتم بالشأن العام دون التدخل في السياسة السياسوية كما في عهد بن علي، حتى اليوم لا أفهم لماذا تدخل النقابة في تعيين الولاة، هذا ليس من طبيعة العمل النقابي. التكنولوجيا الجديدة خلقت نفسا جديدا مختلفا، لدى النقابة اليوم دور يأخذ بعين الاعتبار مصالح عمال المؤسسة والمقصيين عن المؤسسة. النقابة أيضا لابد أن تكون لديها قوة مقترحات، وأن تكون شريكا له مصداقية، ومسؤولية، كما ندعو أن تقطع المؤسسات طريقة الاتكالية على الدولة ومع الوصاية، وأن تكون شريكا مسؤولا مع النقابة قطع التنظيم النقابي مع المركزية المشطة التي يتمسك بها الاتحاد، واعطاء صلوحيات واسعة لمختلف الهياكل، اعتمادا على المبدإ الفيدرالي للتنظيم. ولا بد أن تكون القيادات النقابية خاضعة للمحاسبة والمراقبة حسب آليات مضبوطة. ثالثا : ثلاث أرباع الهيئة الجديدة من الشباب، واطارات من القطاعات الواعدة الجديدة، لا تكفي القطاعات العمومية، لا بد من التعددية أيضا داخل النقابة بن نساء ورجال وأعمار متفاوتة. كيف تفسر هذا الانفلات النقابي الموجود بعد الثورة؟ - حركة كبيرة من الاضطرابات، الناس منزعجة من التجاوزات في كل المجالات، والمشكل في التأطير، النقابة مسؤولة لكنها لا تتحمل المسؤوليات وتتداخل في أمور ليست من صلوحيات النقابة، ومن المؤسف أن الحكومة تتحاور مع النقابة فيما يخص الولاة، النقابة جزء من النسيج الشعبي، لا دخل لها في السياسة ، كما لم يكن دورها تزكية ترشح بن علي، الانفلات سببه مزايدات، ومن المفهوم احباط العمال ومطالبهم، لكن لا بد من التأطير .الجامعة وليد جديد وهي مستعدة لتحمل المسؤولية، منذ الاعلان عن النقابة يوم 1 فيفري هل اتصلتم بطلبات للانتماء الى الجامعة؟ فوجئنا بالنقابيين والعمال أفواجا من مختلف القطاعات والجهات، الناس تبحث عن الجديد الذي يمكن أن يكون أكثر تماشيا مع المطالب الملحة. هل الجامعة لديها الامكانيات حاليا للرد على كل الطلبات، وهل لديها الصلوحيات المطلوبة للتحاور مع المؤسسات؟ ان شاء الله سنحاول أن نلبي مطالب الناس المعطلة. ونحن على استعداد كامل لاستقبال المطالب. فنحن منذ 2006 قمنا بتحضير برامجنا ومشاريعنا من خلال أعمال جمعية محمد علي .نحن جامعة قائمة الذات في كل المؤسسات نشرنا فيها نقابة تابعة للجامعة، وما زلنا نكون بعد للناحية العملية، وستكون هناك لجنة خاصة لقبول كل الاتصالات، مع الأسف كان يمكن للاعلا م مساعدة الجامعة . يعني هذا أن الاعلام لا يساعد؟ الاعلام يقوم بدور تعتيمي خاصة الفضائيات الثلاثة، لم يقع دعوتنا أو الاتصال بنا ولو مرة، حتى من سفيان بن حميدة قلل من شأن الجامعة مجانيا، قال هذه الجامعة لديها مشاكل، فمن أين له هذا والجامعة في مرحلة تأسيسية، رغم أنها استقطبت وفي فترة قصيرة عددا كبيرا جدا من الطلبات للانتماء من كل القطاعات، ما هي الشروط للانتماء الى الجامعة؟ الاقتناع بالأرضية واحترامها، تسجيل الانتماء، لابد أن يكون المنتمي أجيرا ويتلقى معاشا شهريا، وطبعا الشعبة لا، والمتطرفين لا، نحن نبحث عن حزبيين أحرار، الأوليات اليوم؟ هناك أربع مهام أساسية : 1 تمثيلنا لنقابات في أسرع وقت، بناء المنظمة وتحضير المؤتمر بتاريخ 3 ديسمبر2011، ذكرى تأسيس الجامعة الأولى. 2 محاولة الدفاع عن العمال ومطالبهم، 3 قضية التشغيل للشباب المؤهلين وذوي الشهائد. 4 التزامنا بنجاح مبادئ الثورة التونسية والحفاظ على مرحلة التحول الديمقراطي لاعتبارها مسألة وطنية، كيف ترى المستقبل؟ كان الشخص منا وفي أتعس الحالات متفائلا فما بالك اليوم، لدي ثقة في التوانسة فهم عقلاء ومتفهمين لوضعهم، ومن المستحيل أن يخيب الشباب، ونحن جميعا بصدد العمل لتحقيق أهداف الثورة.