افتتح الحزب الجمهوري يوم أمس، الاثنين، مؤتمره القومي في نيويورك فيما يسير الرئيس الأمريكي جورج بوش على حبل سياسي مشدود، وإن أداءه في المؤتمر حيث سيلقي يوم الخميس خطاب قبوله الترشيح الرسمي لولاية رئاسية ثانية، سيساعده في تقرير مصيره يوم الانتخابات التي ستجري يوم الثاني من شهر نوفمبر المقبل. والقضايا المهيمنة: هي الحرب على العراق والاقتصاد وهما الآن وإلى حد ما أصبحا خارج نطاق سيطرة بوش. فالمؤتمر ينعقد على قرع صيحات وهتافات أكثر من نصف مليون أمريكي مناهضون لسياسات بوش الداخلية والخارجية الذين امتلأت شوارع نيويورك بهم يوم الأحد مطالبين برحيل بوش قبل أن يغرق الولاياتالمتحدة والعالم بمزيد من الخسائر والدم. والتاريخ يستحوذ على كل خطوة من خطوات بوش في اتجاه الانتخابات التي يخوضها ضد منافسه الديمقراطي جون كيري. فهناك من جهة تاريخ خمسة رؤساء في النصف الثاني من القرن الماضي الذين فازوا بولاية ثانية وكل منهم كانت لديه نسبة قبول في استطلاعات الراي في هذه المرحلة من حملاتهم أعلى مما لدى بوش، مما يشير إلى دلائل صحية لثقة الجمهور وإشارة إلى رغبة واسعة النطاق بإبقاء البلاد في مسارها. وهناك من جهة أخرى درس من ثلاثة رؤساء خسروا محاولاتهم لإعادة انتخابهم، بمن فيهم جورج بوش الأب، وكل منهم كانت لديه نسبة قبول شعبي أقل في هذه المرحلة مما لدى بوش الابن وهو بمثابة إشارة تحذير بامتعاض شعبي واسع النطاق من شأنه أن يقود الناخبين إلى اختيار اتجاه جديد للبلاد، ورئيس جديد. حسابات وبوجود نسبة موافقة تتمحور حول 50 بالمائة للأمريكيين وعدم موافقة بنسبة 45 بالمائة فإن نسبة قبول بوش تقف في منتصف مشاعر الجمهور في انتخابات لا يزال بالإمكان أن تميل إلى أي من الجانبين. فالانتخابات القادمة تعتبر في رأي خبراء الاستطلاعات من أكثر الانتخابات الانقسامية في تاريخ الولاياتالمتحدة التي تدخل مداها الداخلي، وأن السباق متقارب جدا أكثر من أي وقت مضى. ففي الوقت الذي يقوم فيه كيري و بوش بشن حرب في الولايات التي تعتبر ميدان معركة-مغازلين الناخبين المتذبذبين والأكثر أهمية الذين لم يتخذوا موقفا- فإن خبراء في استطلاعات الرأي مثل جون زغبي، الرئيس والمسؤول التنفيذي لزغبي انترناشيونال يحاولون بصورة يائسة تعقب كل تحول صغير في مشاعر الجمهور. وبوجود الكثير من الولايات الرئيسية-فلوريدا، ميسوري، تينيسي، آيوا وأركنساو بين ولايات أخرى «متقاربة جدا تجعل التنبؤ بنتائجها الآن مستحيلا.» ويقول محرر معهد غالوب لاستطلاعات الرأي، فرانك نيوبورت، «لو أصبحت نسبة القبول فوق 50 بالمائة في شهر أكتوبر، فإن التاريخ يشير إلى أن من المحتمل أن يعاد انتخاب بوش وإذا أصبحت دون ذلك، فإن من المحتمل إلى حد كبير أن يهزم.» ولكي يحسن بوش فرصه فإنه يجب عليه أن يستخدم مؤتمر الحزب الجمهوري لاقناع الناخبين الذين لم يقرروا مواقفهم حتى الآن بأنهم سيكونون في وضع أكثر أمنا بوجوده قائدا عاما للقوات المسلحة، وأن لديه خطة جديدة وأفضل لتحسين حياتهم في الداخل وأن لديه المسلك والمهارة السياسية لتقديم نتائج في الكونغرس والبلاد المنقسمين على أنفسهما انقساما عميقا. غير أن زغبي يعتقد أنه لا يوجد كثير بعد عن الناخبين الذين لم يقرروا بعد مواقفهم، كما أنها متقاربة جدا تجعل من الصعب التنبؤ، «فإنك ترى مرشحين يذهبون إلى القبائل الأمريكية الأصلية (الهنود الحمر)، ويتسابقون لزيارة المجتمعات العربية الأمريكية. فما من مجموعة تعتبر صغيرة هذا العام. وبالنسبة للذين لم يقرروا مواقفهم، فإنهم في الحقيقة يستسلمون للمتحدي. إنهم يعرفون الرئيس الموجود في المنصب. ولقد أجمعوا رأيهم. والآن من هو الشخص الجديد؟ ولقد خرجنا باستطلاع مكثف للرأي عن الذين لم يقرروا مواقفهم وجوهر الأمر هو أنهم لا يحبون العمل الذي يقوم به بوش. ومع ذلك فإنهم أقرب إلى الرئيس فيما يتعلق بالقيم التقليدية. وهم أقرب إلى كيري حول قضايا. فلتأخذ الاقتصاد على سبيل المثال- فإن كيري متقدم برقمين. وبالنسبة لأولئك الذين يعتبرون الحرب المسألة الكبرى، فإن كيري يتفوق برقمين، وبالنسبة للتعليم والرعاية الصحية فإن كيري تفوق برقمين. فالمسائل مع كيري واضحة.» ولكن زغبي يؤكد في الوقت نفسه أنه «سيكون من الصعب التحول. فالرئيس في وضع غير مريح فهو ملتزم بأوضاع خارج نطاق سيطرته. فما الذي يعمله بالنسبة للاقتصاد في الفترة ما بين الآن ونوفمبر؟ وبالنسبة للوضع في العراق، فكيف يستطيع إدارة ذلك؟» ويرى زغبي صحة فيما يقال أن عامل السياسة الخارجية أصبح مسألة انتخابية حاسمة هذا العام، لكنه يوضح أن بوش قد يحصل على مكاسب أكثر «لأنك لا تغير القادة في وسط الحرب. وأيضا، فإن موقف كيري حول الحرب بالكاد أن يكون مختلفا. إنه دقيق جدا بالنسبة للذين لم يقرروا مواقفهم لكي يتقبلوه. وعلى أية حال، فإن المعارضة للحرب آخذة في التنامي، مما يعزز كيري والمناهضين لبوش». هجمات الجمهوريين وسيحاول الجمهوريون تقويض سمعة كيري وبخاصة بالنسبة لسجله في مجلس الشيوخ حول قضايا الإنفاق العسكري والاستخباري، فقد انتقد نائب الرئيس ديك تشيني، كيري لابتعاده عن كل اجتماع عام للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ لمدة عام كامل في أعقاب تعرض مبنى التجارة العالمي إلى أول هجوم في شهر فيفري 1993 . وسيحاول الجمهوريون إثارة شكوك في أذهان الناخبين بشأن إمكانية الاعتماد على كيري، كما سيحاولون في الوقت نفسه استخدام المؤتمر للإشادة بقيادة بوش في الحرب على ما يسمونه «الإرهاب» منذ 11 سبتمبر 2001 وقوته السياسية الكبيرة. وسيؤكد برنامج المؤتمر على تلك المقولة فخطاب الرئيس السابق لبلدية نيويورك رودولف جولياني والسناتور جون ماكين يؤكد على ذلك. كما يتوجب على بوش، حسب رأي خبراء، أن يتحدث عن الحرب على العراق، وهي أكبر عناصر ضعفه، فإن 52 بالمائة من الأمريكيين لا يوافقون الآن على إدارته للحرب على العراق، وأن 58 بالمائة يعتقدون أنه ليست لديه خطة واضحة لحل قضية العراق. لهذا فقد نصحه مستشارو حملته الانتخابية باتخاذ موقف مزدوج في الحديث عن موضوع العراق: موقف هجومي بالقول «إننا نعيش في عالم خطير وأنا الوحيد الذي لديه القدرة على حماية أنفسنا.» وآخر دفاعي بالقول «إنني لم أقم في العراق بالشكل الصائب تماما، ولكنني قلبيا كنت في اتجاه الصواب.»