لا ينبغي ان يغرينا الاهتمام الأوروبي الأمريكي المتزايد ببلادنا. وان راهنا في ذلك على المساعدات المالية الاوروبية، فعلينا ان ندرك ان هذه المساعدات محدودة جدا و مشروطة، وان ما يراد منها ،هوسياسي فقط لاعادة تكبيل القرار السياسي لبلادنا. صحيح ان تونس ارتبطت اقتصاديا وسياسيا ،منذ استقلالها بالمجموعة الاوروبية وبالولايات المتحدةالأمريكية ،الا ان الثورة التي جاءت لتجسد ارادة شعبنا في الحرية و السيادة الحقيقية تفترض العمل على تغيير معادلة الشراكة لفائدة تونس. فهرولة مختلف العواصم الأوروبية نحو تونس حاليا،لا يمكن ان تخفي الموقف المتخاذل الذي اتخذته تلك العواصم منذ السابع عشر من ديسمبر و حتى يوم الرابع عشر من جانفي تاريخ هروب الرئيس المخلوع في ما يتعلق بالموقف من القمع الذي كان يسلط على المدنيين العزل من قبل نظام حليفها السابق. واذا ما انطلقنا من ان اي نظام سيحكم تونس الثورة ،سيراعي في خياراتها الخارجية السياسية و الاقتصادية ما يجمع عليه الشعب ، فانه ينتظر ان تعكس العلاقات الخارجية ،الاقتصادية والسياسية التونسية، منطق الثورة فيها، بما يعنيه ذلك من وعي بمحاولات توظيف المساعدات المالية و مؤتمرات المانحين وغيرها من المناورات، في التأثير على الموقف السياسي السيادي التونسي. ومهما كانت حاجة بلادنا الى المساعدات الاوروبية، ملحة، فإن حاجتها الى قرار سيد هي أكثر الحاحا. وبعد 55 سنة من الاستقلال ، فإنه غير مسموح لمن يقودون تونس بصفة مؤقتة حاليا ان يعودوا بها ، و قد خلقت الثورة واقعا جديدا يجعل بلادنا اكثر قوة، إلى موقع الدولة التابعة التي ترتبط حياتها بمساعدات مالية غربية. الغايات الاوروبية الامريكية واضحة من عمليات التقرب والتملق، وهي لا تخرج عن محاولات مكشوفة لاحتواء الثورة وتدجينها والالتفاف على استكمال تحقيق اهداف تلك الثورة. وهذه المحاولات هي دأب تلك الدول الغربية. وقد عايشنا ذلك في العديد من الدول العربية منها لبنان عندما كانوا يلوحون لحكومته بمؤتمرات المانحين كلما كانوا يريدون حصار المقاومة فيه أو التحريض عليها. كما عايشنا تراجع تلك الوعود كلما عجزوا في احتواء المقاومة او في التحريض عليها. هذه الثورة لم تكن ثورة على الاوضاع الداخلية التي اكتسحها الفساد فقط، ولكن ينبغي ان تكون ثورة كذلك على العلاقات الخارجية غير المتوازنة وغير المنصفة لبلادنا. وبالاضافة للاتحاد الاوروبي ، أمامنا بدائل عديدة على طول وعرض خارطة العالم.