قد تتشابه المشاكل والأزمات في مختلف مناطق الحوض المنجمي كما تتشابه الآلام والآمال غير أن الذي يدخل مدينة أم العرائس يشعر وكأن هذه المنطقة لا تمت بصلة للبلاد التونسية ولم تعرف «الاستقلال» الذي مرت عليه(55) سنة كاملة وكان أبناء هذه القلعة الشامخة سباقين للجهاد والنضال خلال الحركة الوطنية ومثلها النقابية كما أن أبناءها ظلوا وعلى مرّ السنين يعتنقون مجالات العلم والمعرفة ويزرعون بذور الخير في المنطقة وفي الجهة وفي كل ربوع الوطن غير أن البؤس والفقر والحرمان واللإمبالاة لهذه المدينة العريقة فرض على أم العرائس أن تبقى في وضع متردّ وبائس الى درجة الإهمال والتجاهل والنسيان مما جعل الكثيرين يؤكدون أن فترة«الاستعمار» المباشر الذي يرفضون تجميله كانت أفضل بكثير من فترات النظامين البائدين. كل شيء يوحي بالفقر المدقع مما حد ببعض شباب هذه القلعة الشامخة الى «الحرقان» الى إيطاليا والنزوح الى بعد المدن التي تتوفر فيها موارد الرزق على الرغم من وجود الآلاف من أصحاب الشهائد العليا والكفاءات النيرة التي تستطيع أن تقدم الاضافات من أبناء أم العرائس. هذه الجهة التي تحولنا اليها على عين المكان وشخصنا واقعها المرير وتحدثنا الى شبابها الذي أكد مدى نضجه ووعيه الكبيرين فضحت الأكاذيب والأراجيف التي كان يقدمها نظام الفساد والاستبداد من الذين عبثوا بثروة الفسفاط وتسببوا في بعثرة الأوراق وتعميق الأزمات دون إدراك أنه على الباغي تدور الدوائر وأن الثورة آتية لا محالة وهو ما حدث في انتفاضة 2008 بالحوض المنجمي التي كانت وقودا لإشعال نيران الثورة العارمة ليوم 14 جانفي الخالد الذي تعرت فيه الحقائق كاملة وتجلت بالشكل الذي يريده الشعب التونسي ككل وأبناء الحوض المنجمي بصفة خاصة الذين عانوا الأمرين إذا استثنيئا منهم بعض «إطارات الشركة» ودون تعميم باعتبار أن أغلبهم كانوا الى جانب الثورة وساهموا في انجاحها مقابل تسجيل حضور بعض قوى الردة من المنتفعين في العهدين البائدين والذي يعتمون ويرفضون كشف الحقائق ويحاولون الردود والتلويح بالتهديد دفاعا عن مصالحهم الشخصية الضيقة وتمر بالإدارة العامة (شركة الفسفاط وهروبا من تورطهم في العهد البائد ولكن الشباب المنجمي يعرف الحقيقة كلها كما أكدها شباب أم العرائس الصامد والذي يؤكد عدم تعجيزه ولا خوضه لأي مسألة من هذا القبيل سواء للشركة أو للحكومة المؤقتة ولاغيرها بقدر ما يدافع عن حقه المشروع والمعتدل والموضوعي والذي تقدر «الحكومة المؤقتة» على فضّه لو تتوفر الإرادة وتفهم الوضعية منذ البداية. هذه مطالب المعتصمين... وهذه مقترحاتهم الكثيرون من أبناء أم العرائس الذين مثلتهم مجموعة معتصمة بالعاصمة في الإدارة العامة بنهج السعودية أكدوا أنهم طالبوا بتشخيص الازمة في مدينتهم التي يعتبرونها «منكوبة ومهمشة ومقصية» من إحداث وتفعيل لبرامج التنمية وخلق مواطن الشغل إذ ساهم النظام البائد في خلق أزمة مستفحلة في منطقتهم أدخلت أهالي أم العرائس في ممر ضيق كرسه نظام الفساد والاستبداد من خلال استغلال واحتكار خيرات الحوض المنجمي وهو ما ولد نسبة مرتفعة في البطالة التي أدركت (38.5 ٪) على جميع المستويات وهو ما دفع المعتصمين الى المطالبة باسترجاع الحقوق المسلوبة على امتداد العقود الماضية وذلك على مستوى التشغيل والتنمية كما أنهم يطرحون الحلول التي تتماشى وموارد الجهة ومجهودها معتبرين هذه الحلول حينية ومستعجلة ومنها أيضا الحلول التي تستوجب الوقت على المدى القصير والمتوسط حيث اقترحوا تشغيل فرد من كل عائلة بين شركة الفسفاط وهياكل الدولة لتكون المقترحات على الشركة دفاعا عن الحق الطبيعي والقانوني وعن شرعية العمل حيث طالبوا بتشغيل نسبة كبيرة من المعطلين عن العمل بمختلف شرائحهم وذلك استنادا على الثروات الضخمة جدا والمدخرات وقوة وضخامة المرابيح التي من شأنها المساهمة في حل الأزمة نهائيا وذلك من خلال إعادة فتح المناجم المغلقة وعددها كبير على غرار قرعة العسل والحشانة (1و2و3) والدريسا والمغطة فضلا عن نسبة التنمية في الجهة التي كانت مقدرة ب (17٪) والتي من شأنها أن تساهم في بعث مؤسسات مختلفة فضلا عن المسألة التي يعتبرونها مهمة جدا وتتمثل في إعادة هيكلة الشركة لاستقطاب اليد العاملة والتخفيض في نسبة المستهلكات (الأشرطة الناقلة حيث مرت من 2.2 من صم على الطن الواحد سنة 2000 الى (12) صم حاليا باعتبار التكلفة التي تقدربالمليارات وتخصيص يد عاملة لصيانتها بما من شأنه أن يخفض نسبة استهلاكها الى أدنى المستويات والتكلفة كما أنهم أي المعتصمين اقترحوا تعيين قيس الدالي على رأس الشركة (من خلال ما أكده المعتصمون في بياناتهم) وذلك لما عرفته شركة الفسفاط من انتعاشة في فترته وما له من خبرة ونظافة يد. الحلول المقترحة لمؤسسات الدولة كما اقترح «المعتصمون» على مؤسسات الدولة تشغيل فرد من كل عائلة في أم العرائس وتسوية الوضعيات العالقة بالنسبة لعملة البلدية والحضائر وشركات المناولة (بيئة ونقل فسفاط وحراسة وغيرها..) وانتداب أصحاب الشهائد العليا وخاصة الذين طالت بطالتهم في المؤسسات العمومية وجميع الوزارات نتيجة للتراكمات الكبيرة في ارتفاع أعدادهم...كما اقترحوا النظر في الملف الفلاحي وملف الأضرار المادية والمعنوية قصد تسوية وضعية المعوقين المادية والمعنوية والسكنية وتسوية وضعية ضحايا حوادث الشغل مع شركة الفسفاط وتسوية وضعية المطرودين من هذه الشركة ومراجعة ملفاتهم العالقة وتعويضهم وتوفير الحلول لهم ولعائلاتهم وتحسين وضعية المتقاعدين من ذوي الجرايات الضعيفة وتوسيع الاختصاصات على مستوى الانتداب في شركة الفسفاط سواء«للكوادر» والمهندسين وذلك حتى وأن استوجب الأمر تكوينهم لمدة معينة وتحديد لجنة من الخبراء لتحديد حالة التلوث وتشخيصها من فضلات الفسفاط ومغاسل الفسفاط المنتصبة بكل ثقلها وسط المدينة وتسوية الوضعيات العقارية العالقة والتي ظلت في خلاف مع شركة الفسفاط من أراض وممتلكات وهو ما تؤكده محاضر الجلسات المبرمة بينها وبين الأهالي والمتسببة في الأضرار التي لم تنته الى يومنا هذا ومنذ أكثر من مائة سنة(100) أي منذ انتصاب شركة الفسفاط ...كما أن المعتصمين أشاروا الى أنه ولإكساب هذه المطالب المشروعة للأزمة يطالبون بالمصداقية والشفافية في التعامل على أن يبقى المجد لشهداء تونس والبقاء للشعب المناضل. في طي النسيان...والحرمان كما أن الكثيرين من أبناء أم العرائس الشامخة لم يترددوا في الاشارة الى أن الظلم والاستبداد والحرمان والمشاريع الوهمية التي كانت تدون في سجل المشاريع التنموية في العهد البائد والتي ظلت في طي النسيان محرومون منها في هذه المدينة التي على الرغم من طموح شبابها فان البطالة أجبرته على الفقر والاعتصام والنزوح و«الحرقان» وغيرها من الظواهر الأخرى التي تفشت بشكل مريب جدا جدا... هذا دون التحدث عن البنية التحتية المهترئة والتي عززت مظهر الموت البيئي المتسبب في الأمراض والأوبئة وخاصة في تردي الوضع الصحي المزري جدّا وفي كل ما يتضح أمام زائر هذه المدينة التي يبتسم أبناؤها وأهاليها بنقاوة السريرة والطيبة والكرم والجود والشهامة والكرامة. ٭ من مبعوثنا الخاص: علي الخميلي