أعرف الكثيرين من سكان المقاهي أي أولئك الزحم من الناس الذين يقضّون أوقاتهم في المقهى أكثر مما يقضونه في المنزل أو في موطن العمل حتى أنك إذا سألت عن أحدهم في ذروة العمل دلّوك على عنوانه الصحيح والدائم. أو على المقهى الذي يسكنه عفوا يرتاده. وسكان المقاهي هؤلاء هم أكثر الناس حديثا وتداولا لأحوال الناس وطرحا للشؤون العامة. ولكل مقهى سكانه. و«نبّارته» و«رشامته» وأطراحه والفوز فيه دوما لمن «يشكّب» أكثر. ولكلّ «شكّاب» جمهوره من «النبّارة» و«الرشّامة» حيث يتم العنف المادي والمعنوي سبّا وشتائم وتهشيما للكراسي وقذفا بشماريخ الشيشة وبالقوارير والكؤوس ويتقبل الجميع الحالة بكل روح «قهواجية» على أمل اللّقاء غدا صباحا مساء. سألت مرة شابا أبوه وعمّه وخاله وصهره من سكان المقاهي كيف يتعامل هؤلاء حسيّا وعاطفيا مع محيطهم العائلي؟ فأجاب إنهم ككل سكان المقاهي «ناس بلا قلوب» وعن العطف لا تسأل. وقرأت أخيرا خبرا مفاده أن دراسة علمية أمريكية تقول والعهدة على أصحابها: إن احتساء كوبين من القهوة يساعدان القلب على النبض السليم ويضمنان سلامته من الجلطة. انتهى الخبر وبقي السؤال. إذا كان ذلك كذلك حقا وأعيدت نفس التجربة على سكان مقاهينا هلاّ تذهب نتائجها إلى أبعد من ذلك ومنها أن من يسكن المقهى ويحتسي القهوة باستطاعته أن يعيش بلا قلب تماما؟