أتابع باستمرار ما تبثه القنوات الوطنية الاربع دون انقطاع منذ 14 جانفي وما لفت انتباهي في كل ما يبث على هذه القنوات هو «تورّطها» في تأجيج الاحتقان بين الجهات دون قصد طبعا. فقد لاحظت ان هناك جهات غائبة تماما وبشكل كلّي عن الشاشات التونسية وهي أساسا ولايتي قبليومدنين والغريب أن قبلي لا تبعد الا مسافة قصيرة عن قفصة التي لها وحدة انتاج تلفزي وكذلك مدنين التي لا تبعد الا 50 كلم عن تطاوين التي تتوفر لها وحدة انتاج تلفزي ايضا. هذا التجاهل الذي أصبح مشكوكا في أنه مقصود خلق حالة من الاحتجاج الشعبي بل الاحتقان ضد القنوات الوطنية حتى أن بعض الشعراء الشعبيين في مدينة دوز كتبوا قصائد هجاء ضد القنوات الوطنية وهذا شيء طبيعي لجهات قدّمت شهداء من أجل الحرية. هذه الثورة لم تصنعها جهة واحدة ولا حزب ولا تيّار سياسي بل كانت تلقائية بعد فاجعة الشهيد محمد بوعزيزي وبالتالي فلا مبرّر للتركيز على جهة دون أخرى وكأنّ هذه الثورة ملك لهذه الجهة أو تلك فلا حديث في القنوات التلفزية الا عن بعض الولايات التي لا تختص لوحدها في الحرمان وتعطّل مشاريع التنمية. لقد تجاهلت القنوات التلفزية الاربع مشاكل السياحة الصحراوية التي تمثل العمود الفقري للسياحة التونسية فلم نشاهد تحقيقا من داخل المنطقة السياحية بدوز التي تعاني من شلل تام ولم نر تحقيقا من داخل أكبر سوق للصناعات التقليدية الذي يعيش شللا كاملا وكذلك قطاع «الجمّالة» الذي يشغل المئات الى جانب مشاكل الماء غير الصالح للشرب والذي تسبّب في كوارث صحيّة تمّت معالجتها بالصمت الى جانب الحرمان من القروض الفلاحية وملوحة الأرض والواحات القديمة وبطالة أصحاب الشهادات. لقد تحدّثت عن مشاكل أعرفها جيّدها ولكن المشاكل أكبر من أن تختزل في مقال قصير وما زاد في حنق المواطنين في الجنوب وخاصة في ولايات تطاوينومدنينوقبلي هو الشريط الاشهاري الذي تبثّه نسمة عن الجهات التونسية التي ساهمت في الثورة بشكل كبير احتجاجا على التهميش وقد توقف الشريط في اللوحة الكيلومترية لمدينة قابس فهل انتهت الجمهورية التونسية في قابس؟ ان ما تقوم به القنوات الوطنية دون قصد ربّما له انعكاسات خطيرة على التواصل الاجتماعي فلا يعقل أن تلتقي القنوات الأربع في تجاهل هذه الجهات من التراب التونسي التي سال دم شبابها من أجل الكرامة والحرية مثلها في ذلك مثل كل الجهات الاخرى فهل ينتبهون؟