يجري هذه الأيام جدل حول مهمّات الحكومة المؤقتة وطرائق تصريفها لشؤون البلاد، في خضم تواصل الاعتصامات في ساحة القصبة بالعاصمة وعدد من جهات الجمهورية وكذلك في خضمّ تباين الآراء بخصوص تفعيل ما اصطلح على تسميته ب«مجلس حماية الثورة» والّذي فاق عدد الممضين على وثيقته التأسيسيّة الثلاثين بين جمعيات وأحزاب. «مجلس حماية الثورة» أثار مسألة متعلّقة أساسا بالمطالبة بوظيفة تقريريّة وبرقابة أعمال الحكومة المؤقتة، المسألة على غاية من الأهميّة وتُشكّل محورا وطنيّا بامتياز في مثل هذه الظرفيّة التاريخيّة الدقيقة والحرجة، فبعد انتفاء صلاحيات السلطة التشريعيّة بغرفتيها بعد ثورة 14 جانفي الفارط والتفويض الّذي نالهُ رئيس الدولة المؤقت لإمضاء المراسيم، أضحت الحكومة المؤقتة في حلّ من كلّ رقابة من أيّ جهة كانت إلاّ من رقابة الضمير. أعضاء من «مجلس حماية الثورة» التقوا نهاية الأسبوع الفارط رئيس الدولة المؤقت وبسطوا عليه مقترح إصدار مرسوم يشرّع لأعمال هذا المجلس ومساهمته في أعمال الدولة في هذه المرحلة، ودون أن يلقوا إجابة واضحة من السيّد فؤاد المبزّع فإنّ الوضع على ما هو عليه لا يُنبئ الى حدّ اللحظة بموقف حاسم من رئاسة الدولة ومن الحكومة بخصوص هذا المقترح. على أنّ الأطراف السياسية الموجودة داخل الحكومة بصفة مُعلنة (وهي أساسا حركة التجديد والحزب الديمقراطي التقدمي) رفضت التشريع لمجلس حماية الثورة والاعتراف به بدعوى أنّ رقابة بذلك الشكل وتلك الصلاحيات التقريريّة التي تقدّمها المكوّنات المشكلّة للمجلس تعني ازدواجيّة داخل السلطة التنفيذيّة، وترى نفس تلك الأطراف أنّ المجلس يُمكن أن يكون جبهة مُعارضة للحكومة المؤقتة أو هيئة استشاريّة ليس لها صلاحيات التقرير والمراقبة أو المُحاسبة. هذا الموقف الرافض لمجلس حماية الثورة وكأنّه يستبطنُ خوفا أو رهبة من وجود هيكل رقابي على أعمال الحكومة، وهذا أمر فيه درجة عالية من الخطورة والإيهام بأنّ المشهد السياسي قد تشكّل بعد بين حكم ومُعارضة وهذا أمر مهزوز على اعتبار أنّ الحكومة المؤقتة لا تقتضي مُعارضات لأنّها حكومة لتصريف الأعمال والإعداد للانتخابات القادمة. إنّ رؤية مشهد سياسي بحكم ومُعارضة مثلما يسعى البعض الى ترويجه والتأسيس إليه حاليّا لا يُمكن أن يكون خُلاصة لهذه الفترة الانتقاليّة التي يجب أن تعرف أعلى درجات الوحدة والتوافق بل يكون نتيجة حتميّة لانتخابات تُفضي منطقيّا، ومثلما هو معمول به في كلّ دول العالم، لتصعيد الأحزاب الفائزة لسدّة الحكم واصطفاف المنهزمين إلى واجهة المعارضة. والمؤكّد أنّ مثل هذا الخلاف والجدل يبقى حسمُهُ بين يدي رئيس الدولة المؤقت الّذي منحه الدستور ومنحهُ كلّ الشعب صلاحيات تسيير البلاد وتصريف شؤونها إلى حدود انتهاء المرحلة الانتقاليّة.