يتساءل العديد أو البعض كيف سيكون المسرح بعد الثورة؟ اعتقد أن السؤال المناسب هو كيف سنكون نحن بعد الثورة؟ فالممارسة المسرحية أساسا ليست لكسب العيش أو التصعيد عن مكبوتات أو التباهي بفن يحضره عدد ضئيل من المتفرجين في الآونة الأخيرة ما عدا ما أضحك وما تفه وما دعا للرداءة فملأ القاعات والجيوب. ماذا يعني الالتزام في المسرح؟ هل بقضية أم بنوعية؟ أو بطرح جريء؟ كل ما أتمناه أن لا تكون هذه الثورة مدعاة للصحوة المفاجئة لكل المسرحيين حتى يكونوا ملتزمين فالمسرح إيمان مسبق بمشروع يصاغ ومثابرة لممارسة يومية وتحد وطول نفس، من أجل لون أو هدف محدد... للأسف في الآونة الأخيرة سقط العديد من المسرحيين الشبان مع مسرحيي العصر الحجري والبلاط والهوس الفرنكفوني في الاجترار والابتذال والجري وراء شباك التذاكر، مع صعود شركات خاصة استغلت حالة التهميش الثقافي الذي كان موجودا ودعمت وأتحفتنا بمسرحيات ادعى أصحابها أنها تنتمي إلى نوع مستغلين جهل العامة وحتى نخبة القوم والتي كان ال«وان مان شو» على قياس رداءة المهرجانات وجماهيره الغفيرة، مع تعاظم سلطة المشرفين على بعض المهرجانات المختصة في القطاع المسرحي إلى حد الإقصاء وتهافت تماسيح الأمس القريب على فتات غنائم الثورة كالجراد. وهنا يتساءل كل مسرحي شاب: ما هو مصير ما أفعل؟ هل هناك من يسمعني أو من يشاهدني؟ ما فائدة مشروعي أمام كل هذه الرداءة؟ وأمام هذا الكم الهائل من الأسهم الموجهة من ذوي القربى المسرحية وأبناء الجيل؟ ما قيمة النجاح أمام ما يترقب المسرحي الشاب من قدح في إمكاناته ولعنة النقمة من ذوي الشماتة والحسد الذين يرون فشلهم من خلال نجاحه؟ آن الأوان لكي نحاسب أنفسنا أمام ما نفعل وأمام الآخر، هل كان لنا هدف ومشروع؟ هل لنا قدرة على الانفتاح والتسامح والعفو عند المقدرة؟ والعودة إلى الأراضي البكر فينا لكي نلامس حقيقة وبداية حبنا لهذا الفن.. هل لا بد من التشبث والصمود أكثر من أجل ما نحب من خطاب وفن يرقى لما نحن فيه؟ أم ننسحب بكل براءة وجرأة لأننا لسنا قادرين على الإضافة والفعل في مجال لسنا أهلا له؟ هل نحن قادرين على الشفاء من هوس العاصمة والتهافت عليها؟ وتلمس الجبل والسهل والصحراء والسواحل وكل مناطق الريف، لصياغة خطاب صادق محلي ومعانق للعالمية... مثلما فعلت أسماء تتواتر في الكتب التي قرأناها ونسحر بها كيوجينيو بربا وبتر بروك وأنطونين أرتو والقائمة طويلة، لقد تآمر البعض على مشاريعهم خشية الخصاصة المالية فأحال إبداعه إلى الخصاصة الفنية فراح يلهث وراء حلم لم ولن يتحقق، وداخل سراب وهمي للتحليق فأمسى في الأخدود بين الزواحف فادفع جناحيك أيها المسرحي الشاب أرجوك... لا تسقط الآن.. فإن الزواحف رابضة في كل النواحي.. وأنت في قائمة الذبح... فلن يغفروا أن يكون لك الآن حقل.. ولن يغفروا حلما في زمن الجراد.