تتواتر الى أذاننا هذه الأيام وبشدة كلمة في غاية من الأهمية والخطورة في ذات الوقت، ألا وهي «الاحرار» اذ أصبحت هذه الكلمة مطية كل من هب ودب وكالملح في الطعام، وقد لاحظت تواترها خاصة في الميدان المسرحي، اذ آن فئة أو مجموعة بالعاصمة سمت نفسها بالفنانين الاحرار، فمن هم؟ ولم هذه التسمية بالذات؟ وهل فعلا هم بالاحرار؟ يقول جون لوك عن الحرية: الحرية الكاملة هي التحرك ضمن القوانين الطبيعية وامكانية اتخاذ القرارات الشخصية والقرارات بشأن الملكية الخاصة بدون قيود، كما يريد الانسان وبدون أن يطلب هذا الانسان الحق من أحد، وبدون التبعية لارادات الغير أيضا، ويقول فولتير: أنا لست من رأيكم ولكنني سأصارع من أجل قدرتكم على القول بحرية، ويقول امانويل كانت: لا أحد يستطيع إلزامي بطريقته كما هو يريد (كما يؤمن هو ويعتقد أن هذا هو الأفضل للاخرين) لأصبح فرحا ومحظوظا. كل يستطيع البحث عن حظه وفرحه بطريقته التي يريد وكما يبدو له هو نفسه الطريق السليم، شرط أن لا ينسى حرية الآخرين وحقهم في الشيء ذاته ويقول جون ستيوارت ميل: السبب الوحيد الذي يجعل الانسانية أو جزءا منها تتدخل في حرية أو تصرف أحد أعضائها هو حماية النفس فقط وان السبب الوحيد الذي يعطي الحق لمجتمع حضاري في التدخل في ارادة عضو من أعضائه هو حماية الآخرين من أضرار ذلك التصرف. وأجدني حاذرا في تصنيف «الفنانين الاحرار» ضمن هذه التعريفات الفلسفية: هل هم من الأحرار بمفهوم الحر والقن، من خلال علاقة السيد بالعبد حسب التفكير الهيقلي؟ هل الاحرار من كلمة الحري بالشيء، أي أهل لما أل اليه أو صاحب حق؟ هل الاحرار من المحررين والمؤلفين الذين كتبوا وصنعوا التاريخ المسرحي بتجارب من ذهب ككبار ومرجعيي هذا الميدان مثل ستانسلافسكي وجروتفسكي ومايهولد وغيرهم...؟ هل الاحرار من الحرارة لدفء خطابهم وعظمة النار التي أضرموها في أنفسهم قبل الشهيد البوعزيزي؟ هل الاحرار من الحرير الذي يتنعمون (ولازالوا) به قبل وبعد الثورة، بارتدائهم رداء الفرنكوفونية «المشوهة» والقباقيب العالية، حتى لا يلامسوا الارض لكي لا يتسخ ذوقهم الرفيع؟ هل الاحرار من المحرار باعتبارهم الوحيدين القادرين على تقييم، وقياس مستوى الميدان المسرحي ماضيا وحاضرا ومستقبلا؟ هل الاحرار من حار والحيرة؟ ولا ادري هل هي الحيرة الافلاطونية؟ أم الكاليلية؟، أم الحيرة على التشبث بالريادة وأخذ مكان الصدارة وركوب الموجة كالعادة، وأكل الغلة وسب الملة؟. هل الاحرار من التحرير؟ ولا ادري تحرير ماذا وممن؟، هل من ذواتنا أم ذواتهم؟ أم بمفهوم «الفلاقة» المسرحيين «بكفاحهم» منذ حرب التحرير الأولى الى حرب التحرير الشبابية التي نعيش على وقعها الآن؟ هل الاحرار من الحريرة؟ وهي أكلة مغربية مثل الشربة عندنا بنوعيها العربي و«السوري»، واعتقد أنهم يفضلون الثانية للطفها وتشبيهها بلسان عصفور... وكم نحن بحاجة الى لسان متحذلق وبجملة تحتوي على كلمة واحد بالعربية وأما الباقي بالاعجمي كما يفعلون. أيها الفنانون الاحرار، حرروا أنفسكم من شبق الذات قبل ان تنطلقوا في تسابقكم لملاقاة أصحاب القرار السياسي بالمطارات وملاصقتهم ولملاحقتهم في أروقة الوزارات حرروا الحرية فيكم ولا تخافوا آن تصبحوا أقزاما عساكم أن تلتصقوا بالارض أكثر لتعرفوا وتلامسوا حقيقة الاشياء، واحذروا جيلا من الشباب أعطاكم درسا في الحرية، فحري بكم أن تتسموا بالحرارة وتواكبوا دروسه الليلية في اعتصامه بالقصبة. يا أحرار الفن، هل تحررتم من النرجسية التي بليتم بها بعد نجاحاتكم؟ هل تحررتم من هوس المقعد المريح لكي تذهبوا وتعاينوا وتفهموا خطاب الشباب المسرحي الجديد؟... هل تحررتم من نيران المشعل الذي تزعمون انه بأيديكم؟، ألا تعلمون أن نيران مشعلكم الذي أخفيتموه سنين طوالا قد خمدت، وهي الآن في روح ووجدان كل مبدع شاب؟... كفاكم وصاية مزيفة. ولتعلموا أن هذا الجيل ليس بحاجة لمشعلكم فقد وهب لنفسه النار من لهيب جسده، فالنور بين جوانحه وأن الأوان كي يطير مهما كان الظلام حالكا، وحسبه كما قال ألشابي مترنما ببرومثيوسه في «نشيد الجبار»: النور في قلبي وبين جوانحي فعلام أخشى السير في الظلماء