شبح الازمة السياسية التي تعيش على وقعها ليبيا منذ عشرة أيام يبدأ منذ لحظة وصولك الى مدن الجنوب التونسي... اذ غابت عن شوارع مدن جربة وجرجيس وبن قردان السيارات الليبية او على الاقل عن تلك المسالك التي مررنا بها ضمن قافلة الصحفيين المرافقين للجيش الوطني من مطار جربة جرجيس وصولا الى المعبر الحدودي برأس جدير اول أمس الخميس. شبح لا يمكن اختصاره في غياب سيارات الليبيين التي مثلت لسنوات طويلة وقبل 17 فيفري تاريخ اندلاع الانتفاضة في ليبيا محركا لاقتصاد مدن الجنوب التونسي كسيّاح وافدين على الوحدات الفندقية بالجنوب وكتجّار مستوردين للمواد الغذائية التونسية وكوافدين على المراكز الطبية بمختلف المناطق التونسية.. بل إن ملامح الازمة ظهرت على واجهات المحلات التونسية التي ارتبطت حركتها التجارية أساسا بليبيا حتى على مستوى التسمية... اذ اطلقت على بعض المحلات تسمية محلات الجبل الأخضر. «توقف» النشاط التجاري على جانبي نهج «الصرّافة» (نسبة الى إيواء النهج عددا من محلات صرف العملة الأجنبية) كانت تمرّ بنا حافلة الجيش الوطني في اتجاه المخيّم الطبي الذي تم تركيزه على بعد حوالي 7 كلم من المعبر الحدودي برأس جدير اختفت الحركة التجارية تقريبا... فمراكز الصرف خلت من الحرفاء تماما كما غاب الحرفاء عن بقية المحلات التجارية... فبدا نهج الصرّافة المزوّق بمعروضات كثيرة وبيافطات الصرف خاليا من النشاط التجاري غارقا في مياه كثيرة تجمعت وسط الطرق جرّاء الأمطار التي تساقطت منذ يومين بالمنطقة. طوت الحافلة كيلومترات عديدة في اتجاه المخيّم قبل ان تعترضنا سيارة اسعاف ليبية لم تكن على «حالة فزع» بل إنها كانت تسير بشكل عادي تحمل السائق بمفرده. قوافل تضامنية وصلنا الى المخيّم في حدود منتصف النهار وتزامنت لحظة وصولنا مع وصول قافلة مساعدات تكونت من عدد من السيارات يقودها ممثلون عن الهلال الأحمر التونسي فرع جرجيس. توقفت تلك السيارات على بعد أمتار من المخيّم تطلب سماحا بالمرور الى معبر رأس جدير عبر مكبّر صوت. «هناك عدد كبير من القوافل التضامنية تمرّ يوميا من هنا، الجميع يودّ المساعدة وهم أساسا أهالي مدن الجنوب وممثلو عدد من المنظمات التونسية، نحتاج مثل هذه المساعدة... خاصة أننا نتوقّع تدفق عدد هام من الوافدين الاجانب الفارين من الأحداث في ليبيا» هكذا علّق أحد العساكر مشيرا الى أن جهود الانقاذ والتوجيه والمساعدة مستعدّة لاحتمالات أسوأ. تبدأ جهود الانقاذ داخل المخيّم الطبي الذي ركّزه الجيش الوطني منذ يوم الاثنين على بعد 7 كلم من منفذ رأس جدير الحدودي «في أقرب مكان ممكن، بعيد عن الخطر، قادر على استيعاب أكبر عدد ممكن من الجرحى» على حد وصف مصدر عسكري باستقبال الوافدين في خيمة الارشاد... هناك داخل تلك الخيمة رصّفت ثلاث طاولات صغيرة يصطف على يسارها جموع الوافدين قبل المرور بعسكرية تجلس الى طاولة رابعة في المقابل للاسترشاد حول هوية القادمين. بعدها يمرّ الوافدون واحدا تلو الآخر في ذات الخيمة عبر طبيب يتوقف بالمكان.. يرحّب بالوافدين قبل ان يسألهم مما يشكون ثم يتم توزيعهم على خيمات الإقامة الوقتية... ومن كان مصابا منهم يتم توجيهه الى أحد الأقسام الطبية المتواجدة بالمخيّم كلا حسب إصابته. مخيّم طبي يتواجد بالمخيّم حوالي 21 طبيبا و40 ممرضا موزعين في ثلاث وحدات للاسعاف الأولي وقسم للانعاش وغرفة عمليات. كما يتواجد في المخيّم اختصاصات طبية عديدة منها طب الاطفال وطب النفس والأمراض السارية والأمراض الصدرية والمجاري البولية... تواجد طبّي مكثّف لم يستقبل بعد اية إصابات خطيرة. وتقول مصادر عسكرية بالمكان ان الوافدين على المخيّم هم بالأساس مصريون كانوا يشتغلون في العاصمة طرابلس او يقطنون في المناطق الغربية الليبية القريبة من تونس لجؤوا الى معبر رأس جدير ويتم استقبالهم قبل ان تتولى السلطات المصرية اجلاءهم عبر مطار جربة جرجيس. كما تقول مصادر أخرى إن المخيّم استقبل ليلة الاربعاء الماضي (تاريخ انطلاق نشاطه في استقبال اللاجئين) 650 مصريا وليبيين اثنين... بات 213 مصريا منهم في خيمات الاقامة الوقتية فيما تم نقل البقية للإقامة في دار الشباب ومركز التكوين المهني بجرجيس وبنقردان. الوافدون أغلبهم مصريون سجّل المخيّم بعد حوالي ثلاث ساعات ونصف من وصولنا تدفق أكثر من ألف لاجئ أجنبي أغلبهم من جنسيات مصرية وبعضهم جزائريون ومغاربة... تم نقلهم الى المخيّم من معبر رأس جدير عبر حافلات تابعة للشركة الجهوية للنقل بمدنين. وبيّنت مصادر عسكرية ل «الشروق» انه قد يتم مضاعفة عدد الخيمات المركزة بالمخيّم والبالغ عددها الى غاية يوم زيارتنا للمكان حوالي 20 خيمة تتسع كل واحدة منها لإيواء حوالي 25 لاجئا... وذلك حتى تكون قادرة على استيعاب كافة الوافدين... مع توقعات بزيادة في عدد اللاجئين. وذكرت مصادر ان الجيش الوطني يعمل بالتنسيق مع السفارة المصرية من أجل اجلاء الوافدين وإيصالهم الى عائلاتهم بمصر. من جهته ذكر السيد أحمد اسماعيل السفير المصري في اتصال هاتفي مع «الشروق» ان القوات المسلحة المصرية والحكومة المصرية المؤقتة وفّرت يوم الخميس طائرتين لنقل الوافدين ويوم أمس 4 طائرات تنقل كل منها حوالي 260 راكبا وستوفّر اليوم 10 طائرات لنقل حوالي 2600 وافد مصري لتأمين عودتهم الى الوطن. كما قال السيد اسماعيل إن طاقما ديبلوماسيا يتكوّن من 5 موظفين يتواجدون في معبر رأس جدير يؤمنون ارشاد وتوجيه اللاجئين المصريين في انتظار وصول ديبلوماسييين اثنين من وزارة الخارجية المصرية لمزيد توجيه الرعاية ونقلهم الى الوطن. وأضاف انه سيتم توفير سفينتين لنقل الوافدين بحرا الى مصر. وتقدّم السفير المصري بشكره الخاص الى اللجان الشعبية بمدن الجنوب والهلال الأحمر التونسي والقوافل التضامنية على مدهم يد المساعدة للوافدين المصريين. ٭ ريبورتاج: أسماء سحبون ٭ في عدد يوم غد شهادات حول واقع ما يحدث في ليبيا... وحقيقة تواصل النشاط التجاري عبر معبر رأس جدير رغم الوضع الأمني المتدهور في ليبيا