من المعلوم أن كلّ المتغيرات التاريخية التي تعيشها الشعوب تعتمد في احدى أهم وسائلها على التلفزيون الرسمي، لذلك المجتمع والثورة التونسية المجيدة كانت التعبير الأهم الذي عاشته تونس منذ خمسين سنة.. ثورة الكرامة.. صوّرها التلفزيون الرسمي إلى غاية يوم 14 جانفي على أساس أنها ثورة وانتفاضة منحرفين.. ملثمين.. ومتمردين.. وتعاطى معها التلفزيون وكأنها تدور في كوكب آخر.. ففي حين يسقط شهداء في سيدي بوزيد والقصرين وقفصة والمكناسي وغيرها من المدن والقرى الأبية.. نجد «قناة 7» سابقا. تمرّر أغاني وأشرطة وثائقية وأخبارا زائفة ومغلوطة. مؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية بكافة هياكلها عامة والتلفزة التونسية خاصة كانت السيطرة التامة فيها لرجال التجمّع وأذناب النظام البائد وكانت كافة الأخبار تخرج من «القصر» وزاد جشع جماعة «كاكتوس» الواجهة المزركشة لبلحسن الطرابلسي تأزيما لهذه المؤسسة التي تقتطع أتاوة من كل عائلة تونسية.. أي أن التلفزة الوطنية التي هي ملك للشعب.. يدفع لها الشعب كل شهر مبالغ طائلة أصبحت مؤسسة عمومية في خدمة مصالح خاصة لنظام خاص جدّا.. وعندما قامت ثورة الكرامة وتغيّرت الشارة المميزة للتلفزة الوطنية من «ق7» الى «الوطنية التونسية».. وعندما لاحظنا غياب اللون البنفسجي من استديوهات وديكورات التلفزة وعندما لاحظنا أن المقدّمين والمنشطين أصبحوا أكثر انشراحا وتميزت مقدّمات الأخبار بأناقة افتقدناها.. وعندما سمعنا وشاهدنا احتجاجات أصبح العاملون بالمؤسسة يقومون بها في السرّ والعلن دون خوف أو وجل.. وعندما قامت الحكومة المؤقتة بتغيير المسؤولين المشرفين على مؤسسة الاذاعة والتلفزة.. عندما حصل هذا وأصبحنا نرى ريبورتاجات مباشرة من مناطق معدومة.. استبشرنا خيرا وقلنا لعلّ الجماعة وجدوا أخيرا الاطار الصحيح لكي يقدّموا مادة تخدم الثورة وأهدافها وروحها. ولكن.. يبدو أننا سنعيش دائما مع «لكن» إذ يبدو أن الوضع أعقد.. وأخطر من ذي قبل وها هي الأحداث تؤكد أن التلفزة الوطنية دخلت مرحلة صعبة.. ومعقدة. فالملفات التي تتعلق بتسيير الادارة والشبهات المتعلقة بهذه الملفات وهؤلاء الأشخاص لا يمكن التغاضي عنهم... وصراع المصالح بين لوبيات داخل المؤسسة بصدد التأجّج ودخول النقابة المهنية بقوة لتتحكم في تعيين من تريد على رأس الأقسام الفنية واقصاء من تشاء.. والاتهامات المتبادلة بل أسلوب التخوين.. كل هذه الأشياء تجعلنا نؤكد على ضرورة فتح ملف هذه المؤسسة التي دخلت كل بيت في تونس الحبيبة. هذه المؤسسة التي نخشى أن تخرج من وجدان الوطن بفعل ترك مديرين سابقين داخل المؤسسة بمكاتب مكيفة ينتظرون أملا في خلط الأوراق من جديد لصالح أشخاص وجهات تعمل في الظل. المسألة دقيقة، فمؤسسة التلفزة التونسية ليست مؤسسة عادية لكي نتعامل معها بهذه السلبية علينا أن نعمل جميعا على عدم السماح لأي كان ليملأ فراغا على مستوى تأطير العاملين بالمؤسسة.. وعلى مستوى توجيههم.. فكفى هؤلاء ما عانوه طيلة سنين سيطرة «كاكتوس» على المؤسسة وكفاهم ما عاشوه من احساس بالظلم.. والضيم والتهميش. على المسؤولين أن يدققوا في ملف هذه المؤسسة.. وأن يستمعوا مباشرة الى أبناء الدار وأن يستمعوا الى رؤيتهم.. وآر ائهم وهم من ينتجون.. وهم من يظهرون إلى الناس وهم من يجب أن نمنح لهم الفرصة في أن يكونوا الأساس الصحيح لبناء مؤسسة نحبها رغم كل شيء. وللحديث بقية. بقلم: حسن الحبيب بالي مركز الدراسات الاستراتيجية