بعد استقالة السيد محمد الغنوشي من رئاسة الحكومة المؤقتة، جال في مخيلتي مشهد تلك الأيام والأسابيع التي ترأس خلالها حكومته، وما تواتر فيها من إضرابات متتالية واعتصامات واحتجاجات و«مطلبية» لم تعرفها تونس من قبل بالاضافة الى رفع شعار«ديقاج» أمام كل مسؤول سواء كان «نظيف» أو «فاسد» وتخريب بعديد الأماكن وتعطيل جميع المرافق لأتساءل كغيري وبكامل الصدق أمام رب العباد العالم بالجهر وما يخفي هل يمكن لحكومة في أي مكان من الكون، أن تعمل و«تنجح» في مثل الظروف التي حفت بعمل حكومة الغنوشي?!!! أردت طرح هذا التساؤل، عمدا ، بعد تنحي السيد محمد الغنوشي عن منصبه، درءا لباب التأويلات وحتى لا أحسب «ظنا» وإن في بعض الظن اثم بأني من «اتباع» الغنوشي أو مساند له، فعهدي أني لن أساند إلا من يخدم هذا الشعب بصدق وبإخلاص، وخالص الضمير مع خالقه. وبالعودة الى الساعات الأولى إبان اعلان السيد محمد الغنوشي عن تركيبة الحكومة المؤقتة في نسختها الثانية لم أسمع من الاخوة المعارضين، والاتحاد العام التونسي للشغل وجمعيات المجتمع المدني، إلا الثناء، باعتبارها حكومة «تكنو قراط» وتجمع كفاءات مشهود بها عالميا، بل رأى عديدون أن في قبول عدد من الوزراء العمل بالحكومة لا يمكن وضعه إلا في اطار تلبية نداء الواجب، والاعتراف بجميل بلدهم عليهم. مناخ احتجاجي لا أريد أن أستعرض القرارات والاجراءات التي قامت بها الحكومة برئاسة السيد محمد الغنوشي لكن ماهو ثابت أن الأمور لم تهدأ سوى يومين أو ثلاثة على أقصى تقدير، لتندلع اثرها شرارة من «الاضرابات الاحتجاجية» لا مثيل لها سابقا وسجلت اعتصامات في عديد الأماكن، ومسيرات عديدة بالمئات ولم يخل المشهد العام للبلاد، من تعمد البعض تعطيل عديد المرافق الاقتصادية وغيرها واقتحمت عدة وزارات حتى من قبل أشخاص مسلحين!! وأطرد عديد المسؤولين من مختلف المؤسسات والدواوين ، ولم نعد نعرف «النظيف» من «الفاسد» ولاكلمة تعلو على كلمة «ديقاج» وتحولت بعض مداخل الوزارات الى مبيتات خاصة، وأضحى من راتبه ألفا دينار، يطالب بشهرية في حدود«أربعة ملايين»!! وبقي البطال متفرجا وكما يقال«باهت في عجب ربي»!! وحتى لا أفصل أكثر والجميع على علم بهذه التفاصيل فإن حكومة السيد محمد الغنوشي بالفعل أخطأت في عديد القرارات وفي كيفية التعامل مع مجريات الاحداث، لكن ماهو ثابت كذلك أنها تعرضت الى «عملية» تهرئة و«هرسلة» فمن علق بالقول على حكومة الغنوشي بأنها حكومة «تكنوقراط» ولا تجمع إلا الكفاءات هو نفسه الذي تغير موقفه بمائة وثمانين درجة. لينقدها ويصفها بالحكومة «الفاشلة» و«الفاسدة» بعد أسابيع قليلة من مباشرتها أعمالها?!! ليبقى السؤال في الأخير ويجب الاجابة عنه بكامل الصدق بعيدا عن تصفية الحسابات والمصلحية الضيقة هل بإمكان أي حكومة في العالم أن تعمل وتنجح في أعمالها والمهام المنوطة بعهدتها في مثل ظروف عمل حكومة الغنوشي?! وهل يمكن الحكم بدقة وبموضوعية على اداء حكومة بعد أسابيع من اعلانها?!.