٭ ماهو تقييمكم للوضع السياسي في البلاد ولا يزال يفصلنا شهران على موعد انتخابات المجلس التأسيسي؟ بعد أربعة أشهر على ثورة 14 جانفي ينقسم الشارع التونسي بين اتجاهين او فريقين، بين متفائل بالانتقال الديمقراطي الى نظام جديد يقطع مع النظام السابق وبين متشائم يشعر بنوع من الاحباط نظرا للظروف الامنية والارتباك الحاصل في الاداء الحكومي. أمّا في علاقة الموعد القريب لانتخاب المجلس القومي التأسيس فإننا نقول بأن الثورة قد قامت فرحبّ بها الجميع بما فيهم حكومة السيد الغنوشي التي كانت جزءا من النظام السابق وهو ما أثار دهشة بعض الناس لتهليل وفرحة رموز النظام السابق بالثورة باعتبارها وكما يقولون قد حررتهم من كابوس الحكم السابق وهو ما جعلهم يسارعون بمعاهدة شباب الثورة والشعب التونسي بالسير نحو تحقيق الآمال المعقودة على ثورة 14 جانفي. وهذا التهليل والترحيب من قبل حكومة الغنوشي ومن ورائها كل رموز النظام السابق يعتبر غريبا الى حدّ ما اثار خوف وريبة الناس من ان يفضي هذا التحول الفجئي في المواقف الى مفاجآت غير سارة وعواقب وخيمة فالناس بالبداهة يرون ان الامور يجب ان تجري على طبيعتها فالسياسة ليست حسن الظنّ بالناس وبالنوايا وانما هي في الاخير محاسبة على النتائج لكن وبما ان الثورة ترفع لافتات سلميّة وذات اندفاع سلمي نحو اهدافها بعيدا عن العنف والانتقام وهو ما يتّسق مع طبيعة الشعب التونسي المسالم فقد ركن الناس الى اعطاء فرصة للحكومة التي حاولت ان تجدّد نفسها ومع ذلك فإن أداءها لم يرضِ الشباب الثائر وتجلّى ذلك في احتجاجات القصبة 1 والقصبة 2 على وجه الخصوص التي مثلت نكسة لحكومة الغنوشي. وقد كان من المفروض على حكومة السبسي ان تتّعظ من ذلك لان مقتضى الثورة ان تنحّي جانبا القيادات التي كانت مسؤولة عن فشل النظام السابق وان تحترم الثورة وترحبّ بها وتنخرط فيها والمجال ليس مجال تمكينها واتاحة الفرصة لها للعمل السياسي لا في السر ولا في العلن، وهو ما كان من شأنه ان يطمئن الناس فماذا لو وقع تنحية مائة او مائتي او حتى ألف شخصية عن الشأن السياسي ويتمّ ادخارهم للمستقبل ان بقيت لهم رغبة في العمل السياسي وهي استراحة قد توفر لهم فرصة للاتعاظ من فشلهم في النظام القديم والتأقلم مع النظام الحديد. فيجب الفصل بين ان تبحث عن شخصيات او تكنوقراط تورطوا مع النظام السابق وساهموافي تزييف الانتخابات وسن قوانين لا تخدم المصلحة العامة والتورط في الفساد المالي وكل ما ترتب عنه وتضع يدك في ايديهم وبين ان تؤهلهم لمسؤوليات من جديد وهو مايبدو امرا غريب، فإذا كان المجتمع مسامحًا من اجل الامن ولأجل ان يحترم بعضنا بعضًا فقد كان ينبغي على الاخرين الذين تحملوا مسؤوليات في النظام السابق وتعاملوا معه بصدق او بغير صدق ان يحاسبوا انفسهم قبل ان يحاسبوا ويتحملوا مسؤولياتهم الاخلاقية والسياسية، لكن كل هذا لم يحدث ووجدنا انفسنا مع حكومة السيد الباجي قائد السبسي. ٭ على إثر إسقاط حكومة السيد محمد الغنوشي إثر اعتصام القصبة تم تكليف السيد الباجي بتشكيل حكومة جديدة، لاقت الترحيب من معظم المحتجين مع بعض التحفظات ولئن كانت واعدة في بدايته من خلال القرارات التي اتخذتها فإنها سرعان ما أصبحت محلّ تساؤل حول مدى قدرتها على ضمان الانتقال الديمقراطي وحماية الثورة فماهي أسباب هذا التحول الذي وصل حدّ المطالبة باسقاط هذه الحكومة؟ السيد الباجي قائد السبسي رغم خبرته السيّاسية وعلى ماهو عليه من ماضٍ تمثل في تقلده مهام سياسية في نظاميْ بورقيبة وبن علي فأتصوّر انه كان من المجازفة له ولحكومة ما بعد الثورة ان يمثلها رغم تقديرنا له لكن اتصوّر انه لم يكن الرجل المناسب في المكان المناسب لا لعيب فيه ولكن لان الزمان يحكم في طبيعة السياسة التي يطلبها الشعب للتحوّل الانتقالي. لقد بدأ الرجل من أوّل أمره يتبع التمشي والاسلوب البورقيبي في بداية الاستقلال مستحضرا ومستبطنا شخصية الزعيم الذي بإمكانه ان يتصوّر الصلاح ويمليه باي طريقة ممكنة من الطرق وذلك بجمع كل السلطة بين يديه عن طريق القوانين والمراسيم وعن طريق الاعلام من قنوات وصحف، أو عن طريق الضغط المعنوي كتعيين اسماء معينة داخل هيئة حماية الثورة والانتقال الديمقراطي والاصلاح السياسي رغم ان هذا الرجل قد عرض نفسه من الأوّل لتقديم المعونة من اجل تونس نقول عرض نفسه ولم يعرض عليه احد ذلك وذلك من خلال الحوار الذي اجري معه بعد الثورة. ما لم يدركه السيد الباجي ان الوضع اليوم يختلف عنه في الفترة البورقيبية (مع احترامنا وتقديرنا لما قدمه الحبيب بورقيبة). فما معنى أن يقول السبسي القصبة اصبحت نظيفة اليوم؟ القصبة لم تكن متسخة حتى تصبح نظيفة بل هي كانت ثائرة من أجل حماية الثورة التي أتت من اعماق البلاد، دون جهويات ودون اعتبارات سياسيّة، من أجل رفع كابوس طاغية كان على كاهل كل الشعب، وحتى يحكم الشعب نفسه بنفسه بعيدًا عن منطق الزعامة والأبوّة وتأليه الافراد. السيّد السبسي اكتفى برمي الحبل على الغارب في علاقته بالمراسيم في علاقته بالهيئة التي تضمّ خليطًا أو لفيفًا غير متجانس من الاحزاب والجمعيات والشخصيات وهو ما أفرز صراعا حادا داخل مكونات هذه الهيئة: احزاب وشخصيات وخبراء ورئيس معيّن لو اطلع بعض الناس على مواقفه من الهوية العربية والاسلامية لنفضوا ايديهم منه فكيف ننتظر ان تخرج هذه الهيئة بنتائج، نقول انّها اهدرت وقتا ثمينا، كان من الممكن استغلاله وهو ما ذكرته في حوار لي على صفحات جريدة الشعب عندما قلت انّّ من الافضل لثورة احتضنها الشعب ان تُعطي الكلمة مباشرة للشعب في اختيار رمز نظامه في المستقبل من خلال انتخابات رئاسيّة أو في ادنى الحالات في استفتاء لكيفية تصوّر الشعب للنظام السياسي المقبل سواء كان برلمانيّا او رئاسيّا او غير ذلك. كل هذا الوقت فوّتته الحكومة التي كانت جزءا من نظام اجمع كل الناس بما فيهم رئيس الدولة المؤقت والوزير الاول بانهم سيقطعون معه لكن ما تبيّن هو أنهم يكيلون بمكيالين فعندما يريدون احياء فصل من الدستور يصلح لعملهم ويؤكد تسييرهم الانتقالي يأخذونه أمّا ما يحاججهم به الآخرون فيردونه بدعوى حلّ الدستور وتعطيل القوانين وهو ما اوقع الحكومة المؤقتة والبلاد في مأزق خطير.. لقد أمام الشعب خاصة في ظلّ غياب التشاور معه في اتخاذ هذه الخيارات سواء مع حكومة السيد محمد الغنوشي أو حكومة السيد الباجي، فكل الخيارات جاءت مسقطة ومفاجئة ولم يتم فيها التشاور لا مع قيادات الثورة ولا مع رموزها، وهو ما أفرز ان .