بدخول الثورة الليبية أسبوعها الثالث بدأت بعض الأسرار تُكشف وبعض المواقف تُفضح وبدأ الغرب في هذه الصورة أكثر الأطراف نفاقا وأشدها ارتباكا رغم إصراره على إعادة ارتكاب الأخطاء ذاتها التي اقترفها في الماضي. فبعد الكشف عن التحقيقات التي تجريها كلية لندن للاقتصاد حول اتهامات لسيف الاسلام القذافي بتزوير أطروحة الدكتوراه التي تقدّم بها الى الكلية عام 2008 تجد بريطانيا اليوم نفسها محرجة من «بيع» هذه الشهادة الى من لا يستحقها كما تحرّجت من قبل من «هرولتها» نحو طرابلس للفوز بالصفقات النفطية الضخمة بعد إعلان النظام الليبي عام 2003 تخلّيه عن برنامج أسلحة الدمار الشامل. خطأ بريطانيا لا تتحمله لوحدها بل ان الغرب برمته متورّط في الصمت على ما كان يراه من تجاوزات ومن بطش بالشعوب العربية ومتورط في التواطؤ مع كل الأنظمة المستبدّة تحت أي مسمّى من المسميات، وهذا ما عبّر عنه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قبل أيام حين أقرّ بأن الغرب أخطأ في دعم الديكتاتوريات العربية، ولكن هذا الاعتراف جاء بعد قيام الثورات المتتالية معلنة كنس هذه الأنظمة الفاسدة. أخطأ الغرب حينها، ويخطئ اليوم حين يعتقد أنه مصيب في توجّهه نحو التدخل العسكري في ليبيا وأن الليبيين سيسعدون بهذا التدخل وإن كان يهدف الى قتل من قتلهم والى «إنقاذهم» من ديكتاتورية تجرّعوا مرارتها على امتداد عقود وأعادوا اكتشافها على امتداد الأسبوعين الماضيين. فإذا كان القذافي أعلنها مرارا أنه على استعداد ليُقاتل حتى آخر قطرة دم وأنه لن يستسلم ولن يتنحّى، مع أن الدائرة تضيق عليه وقوافل المنضمّين الى الحركة الشعبية الثورية تزداد يوما بعد يوم، فكيف يمكن أن يستسلم الشعب الذي أعطى من دمه وجهده وتحمّل هذه الديكتاتورية التي ابتُلي بها لأكثر من 41 عاما ومازال في كل مرة يكتشف جانبا من جوانب جنونها وشذوذها. يُخطئ الغرب إن كان يظنّ أنه قادر على إعادة إنتاج «جلبي ليبي» يفرش له الطريق نحو طرابلس بالورود كما فعل باعة العراق من قبل وسهّلوا على الأمريكان وحلفائهم غزو البلد والاطاحة بنظامه الشرعي. ومع أن الحالة الليبية اليوم تختلف كثيرا عن الحالة العراقية قبل ثماني سنوات فإن الغرب سيرتكب خطأ قاتلا إذا ما قرّر إسقاط القذافي بالقوة، وسيكون مشكورا جدا إذا ما لزم الحياد ولم يوفّر الحماية لقاتل شعبه، فهذا الشعب قادر لوحده على خوض المعركة الى النهاية وهو قادر على حماية ثورته ولن يلجأ الى الاستغاثة والاستنجاد بمن كان الى وقت قريب يفرض عليه حصارا بسبب أخطاء ارتكبها «القائد» ودفع ثمنها هو (الشعب) من دمه وخبزه.