لم يبق شيء في سوق «القرانة» كما تعرف لدى متساكني الحفصية إلا وأتت عليه النيران أكوام الرماد ورائحة الدخان تغطيان المكان كل شيء في نهج الآغا، وسط المدينة القديمة، يوحي بكارثية اللحظة فسوق الملابس القديمة (الفريب) ظلت تلتهمها النيران على امتداد أكثر من عشر ساعات بداية من الثامنة من مساء أول أمس إلى صباح الأمسمخلفة خسائر قدرت مبدئيا بأكثر من 300 ألف دينار في البضائع فقط. المكان خلف سوق «سيدي سريديك» بالحفصية والمعروف أكثر لدى المتساكنين والوافدين اليه باسم سوق الرانة عدد وسط المدينة العتيقة والزمان في حدود الساعة الثامنة من مساء أول أمس والوقائع تقول السيدة زهرة المالكي (في العقد السادس من عمرها) أنها كانت تلتقط نسمات الهواء فوق سطح المنزل الذي تقيم به صحبة ثلاثة عائلات أخرى، تنتظر صلاة العشاء فاشتمت رائحة الدخان وعندما أرادت استجلاء الأمر تبين لها بداية حريق في سوق الملابس القديمة (الفريب) فأخبرت من اقتسم معها من عائلات، نفس المسكن، الذي بالكاد يتسع لعائلة واحدة ورغم محاولات الاطفاء التي خاضها المتساكنون وأهالي الرانة فإن النيران سرعان ما انتشرت وأتت على حزم الملابس القديمة. ليلة النار أبلغت الحماية المدنية، وفي الحين حل رجال الاطفاء التابعين لمركز نهج الجبل لكنهم لم يكونوا مزودين بخراطيم المياه ولا بالمياه فاستعانوا بحنفيات الجيران واستعملوا الخراطيم المنزلية إلى حين قدوم شاحنات وسيارات الاطفاء التابعة لمركزية الادارة الجهوية بتونس للحماية المدنية ومقرها شارع ليون وانطلقت عمليات الاطفاء التي تواصلت إلى ساعات الصباح كما أجمع على ذلك كل من حضر. وقد حدثنا أحد المسؤولين بفريق الاطفاء أن السيطرة على النيران تمت في ساعات صباح الأمس وأن أعوان الحماية المدنية واصلوا عملهم لاطفاء الحريق طيلة ليلة كاملة دون انقطاع. الأضرار أثناء الحريق حاول أصحاب بعض المحلات انقاذ بضائعهم التي لم تصلها بعد النيران إلا أنهم تعرضوا لعمليات سرقة كما قال لنا السيد منصور الطاهري صاحب محل بسوق الرانة، ومع ذلك فإن أصحاب المنازل المجاورة للسوق هم من ساعد بشكل هام على اخماد النيران... ولم يتبين حجم الأضرار إلا مع ضياء الصباح عندما بانت الحقيقة لتجار «الفريب» السيد رضا بوتريعة صاحب متجر بالسوق التقيناه ولم تكف عيناه عن البكاء خسر كل ما لديه قال لنا : «اني رب عائلتين. أتت النيران على كل ما أملك في المتجر وهو مورد رزقي الوحيد» وأضاف بأنه اشترى حزما جديدة ب15 ألف دينار استعدادا للعودة المدرسية ولفصل الخريف ولم يبق منها غير الرماد وأسلاك الحديد التي تلفها. وناشد السيد رضا بوتريعة السلط المعنية مساعدتهم على تجاوز هذه المحنة للعودة سريعا وفي أقرب وقت ممكن للعمل حتى لا يلتحقوا بالعاطلين عن العمل سواء بالتعويضات أو بتنظيف ساحة السوق بسرعة لاستغلال فترة العودة المدرسية. فقدت المنزل والمتجر من جهتها قالت السيدة توزر الفرجاني «ان النيران التهمت محتويات منزلي وأسقطت جدرانه وأتت على محل ابني الملاصق للمنزل ولم تبق له غير أكوام الرماد» وقد اتصلنا بابنها السيد لطفي الفرجاني الذي استقبلنا بالبكاء فوق ما تبقى من ركام لبضاعته قائلا : «فقدت مكانا أعمل به منذ 25 سنة وبضاعة اشتريتها مؤخرا بثلاثين ألف دينار استعدادا للموسم الجديد» وأضاف بأن متجره هو مورد رزقه الوحيد هو وعائلته ولم يبق منه شيء بعدما التهمته النيران بالكامل حتى الجدران تداعت ولم تكن قادرة على الصمود، وناشد السيد لطفي الفرجاني السلط المعنية للتدخل الفوري من أجل أن يعود تجار «الفريب» بسوق القرانة الى سالف عملهم في أسرع وقت ممكن. التقينا أيضا الشاب وليد الحباسي وزميله في العمل علي بن محمد وجالا بنا مختلف زوايا السوق المتضررة كما عاينا متجرهما الذي لم يبق منه غير الآثار ورائحة الدخان وهو نفس مصير متجر السيد محمد العياري الذي قال إنه يعمل بسوق الملابس القديمة منذ ما لا يقل عن الثلاثين سنة وأنه فقد حانوته وبضاعته التي اشتراها مؤخرا بستة آلاف دينار. ونفس الشيء بالنسبة إلى الشاب نبيل المرابطي. الخسائر فاقت 300 مليون؟ قمنا بجولة بأحد المنازل المتضررة والتي بدت عليها آثار النيران وكان باديا بجلاء أن الحريق مر من هناك. وقد علمنا من المتضررين أن 23 متجرا لحقتهم النيران وأن خسائر كل فرد تراوحت بين الستة آلاف دينار والخمسين مليونا كما علمنا أن الخسائر الجملية قدرت مبدئيا بما يفوق 300 ألف دينار فيما قدر بعض المتضررين الخسائر بما يناهز المليون دينار. وقال السيد محمد العياري «شيخ» سوق الرانة إن أكثر من ستين عائلة تعيش من التجارة بالملابس القديمة بهذه السوق وناشد من أجل ذلك ضرورة الاسراع باعادة فتحه حتى تعود اليهم الحياة. لجان تحقيق وفرضية العمل الاجرامي مستبعدة من جهة أخرى علمت «الشروق» أنه تم تشكيل لجنة للتقصي ومعرفة أسباب الحادث وحجم الأضرار وقد تم تسجيل قائمة بالمتضررين هذا وعلمنا من مصادر أمنية حضرت على عين المكان أن فريقا من الشرطة الفنية أخذ عينات من المواد المحترقة وصورا للمكان من أجل القيام بالاختبارات الفنية والعلمية لتحديد أسباب الحادث فيما قال أحد المسؤولين بفريق الاطفاء إنه من المرجح والمحتمل كثيرا أن الحريق نجم عن احتكاك بالاسلاك الكهربائية مع تكدس البضائع فوق بعضها اضافة الى درجات الحرارة المرتفعة شكلت جملة من العوامل لنشوب الحريق، واستبعد بعض المحققين فرضية الحدث المدبر بمعنى امكانية وجود عمل اجرامي وراء الحريق. وهو ما ستكشف عنه التحقيقات في الأيام القليلة المقبلة وللإشارة فإن سوق الملابس القديمة بالحفصية شهدت سنة 1994 في شهر جانفي حريقا هائلا أتى على جل المتاجر وتأتي النيران اليوم بعد عشر سنوات على جانب آخر من نفس السوق مما يدعو الى ضرورة وضع حنفيات مركزية ذات ضغط عال تابعة للحماية المدنية حتى تسهل عملية الاطفاء في صورة حادث آخر.