كان مالك بن نبي يتحدث عن «القابلية للاستعمار...» التي تمتاز بها الشعوب العربية والإسلامية... وقياسا على «القابلية للاستعمار» نجد «القابلية للدكترة» أي الاستعداد لقبول الديكتاتور...! قيل لفرعون ما الذي جعلك فرعونا؟ قال: «لم أجد من يردعني!». هل نقول إن الوسط التونسي مناخ خصب لصنع وتفريخ الديكتاتوريات بكل أصنافها خوفا وطمعا؟! أورد سليم دولة في كتاب «السلوان» مقولة عربية لعربي أصيل كتب على باب داره: «يا عثمان لا تطمع»! لأن الطمع مدخل للتنازل، والطمع باب للتصاغر وإضفاء الشرعية على اليد العليا... الديكتاتور يبحث عن الشرعية بأي ثمن... يُرسل طُعْمهُ لاصطياد الذين تتوفر فيهم صفتان: الأولى: هي النفس الضعيفة وغياب الموهبة والكاريزما. والثانية: أن يتوفر لدى المتملق احتياطي من الانتهازية وفائض وصولية مزمنة للتقرب... صفتان يشتمهما مشروع الدكتاتور عن بعد فيقرّب أصحابها ليحصل على الشرعية التي يفتقدها ممن لا يجوز له أن يكون «مفتيا» لمشروع الدكتاتور... هؤلاء شهود الزور أملا في منصب عال ومال وفير... وتعُجّ الصحف التونسية باعتبار الإعلام سلطة بهؤلاء الذين لا شرعية لهم سوى احتياطي التملق من بعض الذين توفرت فيهم الصفتان آنفتا الذكر أي (النفس الضعيفة وغياب الموهبة وأيضا توفر المتملقين على احتياطي من الانتهازية وفائض من الوصولية المزمنة). ومن نتائج تحالف من لا يملك مع من لا يستحق صار الإعلام لعبة تداخلت فيها المصالح وتبييض الأموال وتزوير الوقائع بل أن بعض «الحوانيت» الصحفية صارت تدار بشكل عائلي يذكرونا بما أورده المعري في رسالة الغفران: «قالت العامة أسجد للقرد في زمانه... ويقال إن الوزراء والقواد في زمن زبيدة كانوا يدخلون للتسليم على قردها! كما روي أن يزيد بن معاوية كان له قرد يحمله على أتان وحشية ويرسلها في الحلبة! ويورد التوحيدي في «البصائر والذخائر» ما يلي: «لمّا مات قرد زبيدة ساءها ذلك، فكتب إليها أبو هارون المعلم: «أيتها السيدة إن موقع الخطب بذهاب الصغير المعجب كموقع السرور من نيل الكبير المفرح ومن جهل قدر التعزية عن التافه الخفي، عمي عن حال التهنئة بالجليل السني! فلا نقصك الله الزائد في سرورك، ولا حرمك قدر هذا الذاهب من صغيرك وكبيرك»! فأمرت له بمال. فكان أبو هارون يقول: «رحم الله كل قرد»! وقد قلت تصديقا لذلك في كتابي «مراسم الكذب»: «اضحك للقرد يكشف لك ماتيسّر... مماعنده! أبرز له أسنانك...! أثبتَّ للجميع انك آخر... الأغبياء!» إنه زمن القرود الذي تحول بعضهم إلى دكتاتور... أنه زمن الحجا...«مات» الحجا«مات» والتعلي...«مات»... «الحجامات» ليس بمعنى المهنة إنما بمعنى الوصولية التي رمزت إليها ليلى بن علي وأخواتها ومشتقاتها من اللواتي اكتسبن الشرعية التي أضفاها عليهن المتملقون والمتزلفون وضعاف النفوس ومن بهم فائض واحتياطي من الهرولة!