خلال الأيام القليلة الماضية لفتت انتباهي دعوة وجهها الكاتب التونسي علي دب عبر صحيفة يومية دعا فيها مصالح وزارة الداخلية الى نشر قائمة مفصلة بأسماء من أسماهم «الكتاب المخبرين» من أولئك الذين تعاملوا في عهد حكم بن علي الفاسد والقمعي مع أجهزة البوليس السري و»امتهنوا» كتابة التقارير والوشاية بالكتاب والمثقفين الوطنيين «النظاف» الذين فضلوا ألا يخونوا الأمانة وألا يتذيلوا وألا يبيعوا ضمائرهم وأن يظلوا قابضين على الجمر وفاء منهم للوطن والشعب ولصفة المثقف ورسالته التاريخية النبيلة في المجتمع... هذه الدعوة - وبصرف النظر عن مدى واقعيتها ومدى قابليتها للتحقق - تستبطن دلالات مهمة تحيل خاصة على «ظواهر» شابت - لا فقط - المشهد الثقافي والابداعي بل وكذلك الاعلامي على امتداد سنوات الجمر والقمع والفساد على عهد المجرم بن علي... ولأننا لا نريد لهذه الورقة أن تبدو بدورها - وبشكل من الأشكال - وكأنها حركة «وشاية» بهؤلاء... وعلى الرغم من أننا نعرف بعض هؤلاء «حق المعرفة»... نعرفهم بأسمائهم وسيماهم التي هي على وجوههم... فاننا سنكتفي - مرحليا - بمقاربة «الظاهرة» في عمومها ونحاول معرفة الدوافع و «المبررات» - ان كانت هناك مبررات - التي جعلت فريقا من المثقفين والجامعيين والاعلاميين - لا فقط - يتذيل وينبطح وانما أيضا - وهذا أخطر - يقبل بلعب دور «المخبر» لأجهزة القمع التي كانت تحصي على أفراد الشعب التونسي أنفاسهم في عهد الديكتاتور الجبان الهارب...
ثالوث الجبن والطمع والانتهازية
من بين الدوافع التي ربما تكون حفزت فصيلة «الكتاب المخبرين» و «الاعلاميين المخبرين» على ان يبيعوا ضمائرهم للديكتاتورية وأجهزتها القمعية على عهد المجرم بن علي وأن يخونوا أنفسهم ويخونوا زملاءهم و الأمانة التي حملوها بصفتهم مبدعين وكتاب واعلاميين و... و... أنهم توهموا ربما - و لفترة من الفترات - نتيجة شعور غبي وبائس ويائس يجمع بين الخوف والطمع والانتهازية بأن لا «نجاة» ولا «وصول» ولا «حظوة» الا من خلال التذيل و الارتماء الجبان في أحضان أجهزة السلطة القمعية ومؤسساتها بمختلف أنواعها ( حزبية وأمنية و جمعياتية وغيرها )... وأن عمر هذا النظام القمعي ( نظام المجرم بن علي ) سيطول ويطول ويطول ربما الى الزمن الذي يكونون هم فيه قد تقاعدوا وغادروا الساحة ولفهم النسيان اما بالموت أو بالحياة... لذلك - وتفاعلا منهم مع موشح «اغرم زمانك لا يفوت» راحوا - لا فقط - يغتنمون الفرصة بل وأيضا يزيدون ويزايدون ويوفون الى درجة أنهم مسخوا تماما على مستوى الصفة وتحولوا من كتاب ومثقفين واعلاميين الى «مخبرين» وجواسيس ومرتزقة... على أن الأخطر - هنا - أن فصيلة ثانية من هؤلاء «الكتاب المخبرين» و«الاعلاميين المخبرين» من الذين اختاروا أن يكونوا وشاة جبناء وفي خدمة الفساد والديكتاتورية على عهد المجرم بن علي قد انخرط «عن وعي» في لعبة الجاسوسية القذرة وفي فعل الوشاية وكتابة التقارير الأمنية بالشرفاء والوطنيين في مختلف القطاعات حجتهم في ذلك أن هؤلاء الموشى بهم هم خصوم ايديولوجيين وجب التخلص منهم بأي شكل من الأشكال... وهذا لعمري منتهى القذارة والخيانة والجبن السياسي... صنف ثالث - «طريف» هذه المرة - من فصيلة «المثقف المخبر» و»الكتاب المخبرين» و«الاعلاميين المخبرين» ويجمع فريقا من الفاشلين ابداعيا واعلاميا وأكاديميا... فاشلين بمعنى أنهم ليسوا من ذوي النبوغ أو الكفاءة... ولأنهم كذلك توهموا أنه بانخراطهم في «لعبة» الوشاية بالشرفاء والوطنيين من خلال كتابة التقارير الأمنية سيمكنون من «الارتقاء» في درجات المسؤولية و»الحظوة» و «الشهرة» اعلاميا وأنهم سيكونون مبجلين حيثما حلوا... يسافرون ويحاضرون ويقبضون ويغنمون... فكان أن تعملقت أسماء في الاعلام والأدب والشعر والبحث العلمي ما كان لأصحابها أن يحلموا بما وصلوا اليه لولا مهزلة وضع الاقصاء والوشاية والمحسوبية الذي كان قائما على امتداد سنوات القمع والظلم في دولة الديكتاتور بن علي لا أريد أن أسترسل أكثر فالوضع مؤلم ومأسوي ومضحك في نفس الوقت... ولكنني سأحوصل وأقول: لعن الله ثالوث الجبن والطمع والانتهازية مضافا اليهم - طبعا - واقع القمع والفساد والديكتاتورية...