يعقد غدا الجمعة حزب التحرير التونسي ندوة صحفية للإعلان عن هويته وخطّته للعمل السياسي والعلني بعد ان استكمل مرحلة التحضير لتقديم مطلب للحصول على ترخيص العمل القانوني. وكان ولايزال هذا الحزب محل انتقادات واسعة واتهامات متتالية زادتها تفاقما وضعية الانغلاق السياسي التي طبعت حكم الرئيس السابق والحصار الذي كان يضربه بصفة خاصة على التيارات ذات المرجعية الاسلامية. «الشروق» التقت نبيل المناعي عضو المكتب السياسي لحزب التحرير التونسي وطرحت عليه عددا من الأسئلة المتداولة بخصوص انشطة الحزب ومواقفه وتصوراته حيال المرحلة السياسية المقبلة في البلاد، في ما يلي نص الحديث: ربما، بل ومن المؤكد، ان الجلوس الى بعض الوجوه السياسية والحزبية بصفة مباشرة يعطيك صورة حقيقية عن طبيعة قناعات هؤلاء، صورة مغايرة عما كان يروّج حولهم من أخبار ومعطيات. ٭ فكرة تاريخية عن حزب التحرير في تونس؟ بدأ حزب التحرير نشاطه بتونس في أواخر السبعينات من القرن الماضي اي منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة في الأوساط الشعبية وبين المثقفين وفي الأوساط الطلابية، وقد تعرّض أعضاؤه للاعتقالات والتعذيب والزج بهم في السجون في سنة 1983 في محكمة مشهورة ثم تتالت الاعتقالات والمحاكمات في سنوات 1984 و1985 و1986 و1987 وعندما أبدل بورقيبة ببن علي أصدر حزب التحرير بيانا للشعب التونسي يوم 8 نوفمبر 1987 ذكر فيه بأن بن علي قد ارتقى الى السلطة بتدرج من مدير للأمن الى وزير الداخلية الى وزير أول ووزير الداخلية ثم انقضّ على الحكم فكان رئيسا للدولة، فهو نفس الشخص الذي صادر السياسيين وحارب الله ورسوله وزجّ بنا في السجن فلا يغرنكم هذا الانفتاح الذي سيتحوّل الى جحيم وأن الشعب التونسي سيرى على يديه أياما سوداء أحلك من الليالي الظلماء، فقوبل آنذاك حزب التحرير بهجوم شرس من السلطة ومن بعض الأطراف السياسية الذين التحقوا بنا في السجون بعد مدة وجيزة. ٭ حزب التحرير بين العمل السري والعمل القانوني العلني؟ يعمل حزب التحرير بين الناس ومعهم بأفكار واضحة وتفصيلية وأعضاؤه ملتزمون بالعمل الفكري والسياسي لا غير، فهو ينبذ الأعمال التخريبية والعنف ويدينها سواء أكانت من أحزاب او من الدولة ذاتها، ونحن سنتقدم الى وزارة الداخلية بطلب ترخيص ونحن نعلم ان هذه الوزارة تعلم يقينا بأن حزب التحرير هو أحق من غيره بالعمل السياسي في المجتمع، فجهاز أمن الدولة والعاملين فيه لم يواجهوا من أعضاء حزب التحرير حتى بالعنف اللفظي على الرغم من التعذيب الذي مارسوه علينا. واليوم وقد أسندت تأشيرات العمل للأحزاب السياسية بمجرد إعلان البعض منها عن التوبة من أعمال العنف، وعليه فإن وزارة الداخلية بعلمها اليقيني بنبذ حزب التحرير وأعضائه كل عمل مادي من حيث المبدأ في كل الأحوال والأوضاع، والشعب التونسي الذي يعيش في أوساطه أعضاء الحزب منذ أكثر من ثلاثين سنة شاهد على ذلك، فبهذا نحن واثقون من الحصول على رخصة العمل التي ستنسينا المداهمات الليلية والسجون وقطع الأرزاق والحرمان حتى من أبسط الحقوق الإدارية والملاحقات المتواصلة بالجبر على الحضور والإمضاء في مراكز الشرطة ليلا ونهارا. ٭ ما هو الدور الذي يمكن ان يلعبه حزب التحرير بتونس اليوم؟ لكل حزب من الاحزاب السياسية الدور الذي اختاره لنفسه، فإذا اختارت الأحزاب السياسية بتونس ان يكون دورها مجرد القطع مع الحقبة الزمنية المنقضية والتي طالت ثلاثة وعشرين سنة وذلك بإزالة مظاهر التجاوزات والفساد فلها ذلك. أما نحن فنرى الأمور بشكل مخالف وبالتالي فإن دورنا سيكون مخالفا بالضرورة، نحن نرى ان الوضع في تونس لا يحتاج الى بعض الترقيعات او التزويق ولا حتى الاصلاح، وإنما يحتاج هذا الوضع الى تغيير شامل فالممارسات الفاسدة والتجاوزات والمحسوبية ليست الا ثمرة أنتجها النظام المطبق والأفكار الشائعة، وبلفتة موضوعية نرى بأن الشعوب الأوروبية وأمريكا باعتبارها دولا رائدة في النظام الرأسمالي تصوّرا وتطبيقا تعاني ما نعانيه نحن في تونس من فساد مالي ومن تجاوزات أخلاقية وانعدام للقيم، اذ لا مقياس يعلو على مقياس الربح بكل الوسائل مشروعة كانت او ممنوعة شريفة كانت أو وضعية. ٭ ما هو موقفكم من حملة غلق الحانات والمواخير؟ وإن كنا لا نرتاد هذه الأماكن، فنحن نرى أن القانون في تونس يجيزها، ومن يريد غلق هذه المحال فعليه ان يعمل على مستوى القانون ليغيّره. ٭ يقال إنكم أو البعض من أنصاركم وراء المسيرة أمام المعبد اليهودي؟ عندما فتح المسلمون بلاد الشام ودخل عمر بن الخطاب القدس طلب منه أحبار النصارى ان يصلي ركعتين في كنيستهم فرفض ذلك قائلا: والله ما منعني عن الصلاة إلا الخوف من أن يقول المسلمون من بعدي ها هنا صلى عمر بن الخطاب فيهدمون كنيستكم ويقيمون مسجدا مكانها. ومحل الشاهد هنا ينطبق على اليهود ونحن نفرق بين اليهود والصهيونية التي تمثلها دولة إسرائيل. ٭ حسب رأيكم ما هي أسباب التهجم على حزبكم؟ حزب التحرير يمارس العمل السياسي بمعناه الصحيح والعمل السياسي هو التفاعل مع الجماهير لأننا وجدنا من أجل الشعب بل من أجل الانسانية جمعاء، فنحن قد آمنّا بمبدإ يسعد الانسان ويوفّر له عيشا كريما مبنيا على قيم فاضلة، هذا المبدأ ولّد في أعضاء الحزب ومجموعته شعورا بالمسؤولية تجاه الناس، فانطلق الحزب ليعمل بين الناس ومعهم بهذا المبدإ شارحا أفكاره مفصلا لأحكامه ولا همّ له سوى الجمهور. أما الاحزاب السياسية الموجودة فنحن نتعامل مع ما تحمل من أفكار وما تطرح من رؤى للأوضاع فنقارعها بالحجة أمام الشعب ليكون بيننا وبينهم، فلا يهم حزب التحرير غير العمل الفكري والكفاح السياسي. ٭ كيف تربطون بين هويتكم الاسلامية والصبغة المدنية للمجتمع؟ الاسلام بالنسبة الى الحزب ليس مجرّد هوية وإنما هو إيديولوجيا كاملة متكاملة، درسه الحزب دراسة عميقة في نفس الوقت الذي درس فيه بتمعّن كل من الرأسمالية والاشتراكية وما تزعمه من شيوعية منشودة، فجعل من الاسلام أساسا له، فمن عقيدته اتخذ وجهة نظره في الحياة يفكر بحسبها، ومن أصوله التشريعية استنبط النظم والأحكام ليصوغ بها علاقات الناس في المجتمع، فنحن بين أيدينا منظومة تشريعية كاملة للحكم والاقتصاد والاجتماع والسياسات الخارجية والمالية والتعليم.. ٭ ماهي علاقاتكم بسائر الأحزاب يمينية كانت أو يسارية وهل تؤمنون بمبدإ الائتلاف او التحالفات السياسية؟ الأحزاب السياسية على اختلاف مشاربها نعتبرها منافسا سياسيا ونعمل بما أوتينا من جهد على محاججتها على مستوى ما تحمل من أفكار وما تطرح من حلول، فالعمل السياسي بالنسبة إلينا هو عمل نبيل مبني على قيم رفيعة الشعب فيها سيّد ونحن خدمه، فالعمل السياسي أساسه الصدق وثمرته الوفاء، ولا مجال فيه للكذب والتزلف ولباس الأقنعة، وللأسف الشديد فإن الشعب اليوم يعامل من طرف السياسيين والأحزاب السياسية كحريف تسوّق له الأفكار مثل البضاعة التي يحتاج مروّجها بالأساس الى فن الإشهار، فغدت الساحة السياسية شبيهة بالسوق يتحالف فيها الصغار ليواجهوا الكبار على اختلاف بضاعتهم.