أسابيع عدّة مرت الآن على إطلاق العبارة الشهيرة «Dégage» أو «ارحل» التي ساعدت كثيرا على حفز النفوس وتأجيج المشاعر من أجل إسقاط النظام الفاسد الذي ظل جاثما على قلوب التونسيين أكثر من عشرين عاما. ماذا بقي من هذه العبارة التي جابت العالم، وتحوّلت إلى شعار يتردّد بين كل الشعوب في العالم، وخصوصا بين الشعوب المدحوضة التائقة إلى الانعتاق والحرية. سؤال كان لا بدّ من طرحه مباشرة إثر سقوط النظام البائد وتهاوي رموزه، لأن ما يحدث اليوم، سواء في الشارع التونسي أو داخل المؤسسات أو في المجالس والنقاشات بات لا يهدّد عبارة «Dégage» كشعار مميّز لكل التونسيين فحسب، وإنما للبلاد بأسرها التي قد تعود إلى ما كانت عليه أو أسوأ. فماذا يعني أن يقول الابن لوالده «Dégage» لمجرد أنه طلب منه العودة إلى الدراسة، والانقطاع عن التظاهر في الشارع وإحداث الشغب؟ ماذا يعني أن نقول لعامل بسيط «Dégage» لمجرد أنه كان ينصاع لأوامر «عرفه»؟ ماذا يعني أن نقول لمدير أو مسؤول في مؤسسة «Dégage» لمجرد أنه تحمل مسؤولية خلال فترة النظام السابق؟ ماذا يعني أن نقول لمثقف «Dégage» لمجرد أنه لم ينتقد النظام السابق قبل انطلاق الثورة؟ ماذا يعني أن نقول لفنان أو مغني «Dégage» لأنه لم يرفض الغناء في احتفالات 07 نوفمبر؟ ماذا يعني أن نقول لمبدع «Dégage» لمجرد أنه ظل صامتا خلال فترة النظام السابق؟ لقد تحولت عبارة «Dégage» بعد 14 جانفي وسقوط النظام الفاسد إلى أداة قمعية لإقصاء الآخرين، حتى وإن كانوا أبرياء. كما ظهرت عبارات وشعارات أخرى تحمل نفس المعنى، مثل: «لا لفلان...» أو «لا لهذه المجموعة» أو «معاضد» أو من «أجل غلق هذا الفضاء أو ذاك».. لماذا كل هذا الرفض والإقصاء، فتونس تتسع لكل التونسيين بآرائهم وأفكارهم ومواقفهم ومعتقداتهم المختلفة والمتنوعة، وشرط أن يحترم كل منا حرية الآخر والقانون.