وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تلغي امتياز استغلال المحروقات "بيرصة"    وزير الشؤون الاجتماعية.. "يتم رفض خطبة الشخص لانه غير مرسم في عمله"    "اعتقال" قطة "بتهمة" تهريب مخدرات إلى سجن في كوستاريكا    توزر: رحلة الحج الوحيدة من مطار توزر نفطة الدولي تغادر وعلى متنها 256 حاجا من ولايات توزر وقبلي وقفصة    رفض مطالب الافراج عن مسؤولين سابقين بشركة بترولية    وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تلغى امتياز استغلال المحروقات "بيرصة"..    تحديد السعر المرجعي لأضاحي العيد لهذا العام ب 21.900 د للكلغ الحي بنقاط البيع المنظّمة    أخبار النجم الساحلي ...المكشّر كبش فداء وبن علي في طريقه للإفريقي    عن «فيلم البوسير» لمولدي الخليفي : تونس تتوّج بجائزة مفتاح العودة في غزة    المهدية: عن شريطها الوثائقي «غار الضّبع»: التلميذة نهى الوحيشي تفوز بلقب سفيرة المتاحف    "عطر الذّاكرة" في اختتام شهر التراث دار الثقافة سبيطلة    تصفيات كأس العالم لكرة السلة.. المنتخب الوطني التونسي في المجموعة الثالثة    الإطاحة بسارق حقيبة طبيب بمستشفى الرابطة.. #خبر_عاجل    تعيين مكتب جديد لتسيير الرابطة الوطنية لكرة اليد النسائية    تونس تبرز في جنيف كقوة اقتراح وشريك فاعل في الصحّة العالمية    السينما التونسية بين الماضي والحاضر: موضوع لقاء ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي    عاجل/ إجتماع أوروبي في بروكسيل يناقش تعليق التجارة وفرض عقوبات على اسرائيل    القيروان: أسعار أضاحي العيد بين 700 و1200 دينار    نابل تحتضن الدورة الثانية من الملتقى العربي للنص المعاصر تحت شعار " المجاز الأخير: الشعر تمرين على الوجود"    تعيين خبراء لتدقيق التقرير المالي للنادي الإفريقي    جمعية الصحة العالمية تعتمد بجينيف اتفاقية الوقاية من الجوائح الصحية والتأهب والاستجابة لها وتونس تصوت لصالحها    حيّ هلال: حجز 310 صفائح 'زطلة' و100 غرام كوكايين لدى زوجيْن    كلية الطب بصفاقس تتحصل على الاعتماد في دراسات الطب لمدة 4 سنوات    من الهند إلى تونس: عيد الألوان يغسل الحزن بالفرح    كأس افريقيا للأندية الفائزة بالكاس للسيدات: تأهل الجمعية النسائية بالساحل الى الدور نصف النهائي    عاجل/ بريطانيا تستدعي سفيرة اسرائيل لديها وتتّخذ هذا الإجراء    الأمم المتحدة تحصل على إذن بإدخال 100 شاحنة مساعدات إلى غزة    عاجل/ نتنياهو يهاجم هؤولاء الرؤساء..وهذا هو السبب..    بالفيديو تعرف على المشهد الذي أبكى عادل إمام وتفاصيله    اتهام ابنتي نور الشريف بالاستيلاء على مليون جنيه    توننداكس يزيد ب10،25 بالمائة نهاية الثلاثي الأوّل من 2025    خلال ندوة رفيعة المستوى بجنيف.. تونس تبرز تجربتها في المشاركة المجتمعية في السياسات الصحّية    كأس تونس لكرة القدم : تعيينات مباراتي الدور نصف النهائي    وزير الصحة يؤكد استعداد تونس لتكون منصة إقليمية لتصنيع اللقاحات والأدوية    أمطار أفريل: الشمال والوسط يُسجّلان معدلات قياسية    في عيد الأم: 6 هدايا بسيطة... بقلوب كبيرة!    جريمة قتل مروعة/ فصل رأسه عن جسده: شاب ينهي حياة والده شيخ 95 سنة..!    ساحة باردو: تحويل جزئي لحركة المرور ودعوة مستعملي الطريق إلى الحذر    نقابة التاكسي الفردي: نسبة نجاح الإضراب تجاوزت 95% وتعليق مؤقت في انتظار نتائج التفاوض    مصر: سقوط طائرة عسكرية ومقتل طاقمها    انطلاق عملية التسجيل وإعادة التسجيل في رياض الأطفال البلدية التابعة لبلدية تونس للسنة التربوية 2026-2025    بشرى سارة: انخفاض أسعار الأضاحي بهذه الولاية..    إطلاق خط جوي جديد دبلن – النفيضة    السجن ثم السفارة: المصادقة على تعيين أب صهر ترامب سفيرًا بفرنسا وموناكو...مالقصة؟    طرابلس: العثور على 58 جثة مجهولة الهوية في مستشفى    تقلبات جوية منتظرة بداية من هذا التاريخ    رئيس الجمهورية: الثورة التشريعية لا يمكن أن تتحقق الا بثورة في إدارة المرافق العمومية    غياب الترشحات لرئاسة وعضوية الهيئة المديرة للنادي الصفاقسي    نابولي وإنتر دون مدربيهما في الجولة الختامية من الكاتشيو    طهران: تونس تدعو دول منظمة التعاون الاسلامي إلى إقامة شراكة متضامنة ومستدامة في مجال البحث العلمي    النائب رؤوف الفقيري: السجن لكل من يُمعن في التشغيل الهش... ومشروع القانون يقطع مع عقود المناولة نهائيًا    طقس اليوم: ظهور خلايا رعدية محلية مرفوقة بأمطار    صفاقس: افتتاح وحدة حديثة لتصفية الدم بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر    موعد رصد هلال ذي الحجة    هذا موعد رصد هلال شهر ذي الحجة..#خبر_عاجل    رصد هلال ذو الحجة 1446 ه: الرؤية ممكنة مساء هذا التاريخ    لا تُضحِّ بها! هذه العيوب تُبطل أضحيتك    من تجب عليه الأضحية؟ تعرّف على الشروط التي تحدّد ذلك    









هل يبقى معنى للثورة دون استرجاع السيادة التونسية المفقودة ؟ (1)
نشر في الشروق يوم 12 - 03 - 2011

وردت أخيرا كلمة السيادة في بلاغ تونسي ردا على إيطاليا التي تقترح إرسال شرطة إيطالية إلى الأراضي التونسية لمنع التونسيين الحارقين إلى السواحل الإيطالية التي وصلها أخيرا حوالي خمسة آلاف من هؤلاء. رفضت السلط التونسية ذلك إذ أن قبول الطلب الإيطالي اعتبر مسا با لسيادة التونسية. فهو أمر يفقد تونس سيادتها على أراضيها.تقترن مفردة السيادة في القاموس السياسي التونسي بقدرة الدولة على الدفاع عن حدود الوطن و صيانة أمنه الداخلي و استقلالية سياسته الخارجية. ومن ثم، سميت وزارات الدفاع والداخلية والخارجية بوزارات السيادة.
وفي المقابل، يجد المرء اليوم غيابا مفزعا لدى التونسيين لما أود تسميته السيادة اللغوية. أي اعتباراللغة العربية/الوطنية رمزا لسيادة البلاد التونسية مثلها مثل العلم التونسي وبقية معالم السيادة التي تتبناها اليوم الأقطارالصغيرة والكبيرة في العالم. فمثلا، تتبنى المجتمعات المتقدمة مبدأ السيادة اللغوية كعقيدة مقدسة لاتقبل التشكيك فيها والتعدي عليها. فهذا ما نلاحظه في الإتحاد الأوروبي الذي يضم أكثرمن عشرين دولة تحترم فيه بالتساوي لغة أكبر وأصغر الاعضاء كمالطا، إذ اللغة هي رمزللسيادة لكل واحدة منها لايجوزالتنازل عنه.
معاييرالسيادة اللغوية في المجتمعات:
تفيد الملاحظات اليوم في المجتمعات المتقدمة أن سيادتها اللغوية تتلخص في المعالم الرئيسية التالية:
الاستعمال الكامل للغة الوطنية على المستويين الشفوي والكتابي.
احترامها والاعتزاز بها والغيرة عليها و الدفاع عنها.
معارضة استعمال لغة أجنبية بين مواطني تلك المجتمعات.
شعور عفوي قوي لدى المواطنين بالأولوية الكبرى لصالح استعمال اللغة الوطنية في مجتمعاتهم.
مراقبة واسعة ذاتية لدى المواطنين تجعلهم يتحاشون استعمال الكلمات والجمل الأجنبية مع وجود سياسات وطنية متواصلة عند السلط لترجمة المصطلحات والكلمات الأجنبية الجديدة إلى اللغة الوطنية.
اقتران اللغة الوطنية بتحديد هويات الأفراد والجماعات في تلك المجتمعات.
ضعف السيادة اللغوية بالمجتمع التونسي
تبين تلك المؤشرات الستة أن حال السيادة اللغوية في المجتمع التونسي ضعيف على كل واحد من تلك المؤشرات :
1- فعلى المستوى الشفوي ، يمزج التونسيون كثيرا حديثهم بكلمات وجمل وعبارات فرنسية حتى أنه يصح وصف اللهجة التونسية بأنها فرونكوأراب le franco-arabe في الصميم بحيث يجوز القول بأن التونسي العادي يستعمل في الغالب كلمة فرنسية في كل عشر كلمات (1/10) في حديثه بالعامية مع التونسيين. فالمزج اللغوي بالمجتمع التونسي يمثل المعيار اللغوي الإجتماعي الأمر الذي يجعل الحديث بلهجة تونسية عربية خالية تماما من أي كلمة فرنسية ضربا من السلوك اللغوي المنحرف عند معظم التونسيين والذي طالما يقابل بالتعجب والحيرة وحتى التهكم والسخرية. ففي قطاع الإعلام المرئي، تتصدرقناة نسمة القنوات التونسية في تبنيها لخطاب الفرونكوأراب الفوضوي.
أما استعمال اللغة العربية في الكتابة عند التونسيين فهو لايزال محدودا في الأمور الكبيرة والصغيرة. فأكثرهم يكتبون ، مثلا ، صكوكهم المصرفية بالفرنسية وكذلك إمضاءاتهم. واللغة العربية المكتوبة غائبة في العديد من المؤسسات التونسية الحديثة . فالفرنسية هي لغة العلوم في المؤسسات التعليمية التونسية إبتداء من مرحلة التعليم الثانوي وإنتهاء بمرحلة الدراسات الجامعية العليا . كما أن الفرنسية تبقى لغة الكتابة لأنشطة جل البنوك التونسية. ومن آخرمعالم السيادة اللغوية في العهد البائد صدور مجلتين تونسيتين بالفرنسية فقط: 1 Nos Enfants الموجهة إلى الأسرة التونسية. وهي تابعة لعائلة و أقارب الرئيس المخلوع. 2 L'Etudiant التي تخاطب الطالب التونسي. أما حال استعمال اللغة العربية في الأمور الكتابية في المجتمع التونسي خارج الإدارات الحكومية ، فيجوز أيضا تسميته بأنه فرونكوأراب كتابية يوازي الفرونكوأراب الشفاهية. إذن، فالمجتمع التونسي اليوم مزدوج اللغة بالكامل على المستويين الشفاهي والكتابي. وهي ممارسة لغوية تونسية تتناقض مع معاييرالسيادة اللغوية المشار إليها.
2- تشير اليوم الإستبيانات والملاحظات الميدانية المتكررة لسلوكات المتعلمين التونسيين اللغوية بأن أغلبيتهم الساحقة لا تكاد تبدي بعفوية وارتياح حماسا وإعتزازا باللغة العربية باعتبارها لغتهم الوطنية . فيقترن ذلك عندهم بغياب موقف قوي مدافع بعفوية وغيور في السر والعلانية على اللغة العربية. أي لا يكاد يوجد عندهم أكثر من شعور فاتر إزاء اللغة العربية. إن اللافت للنظر بهذا الصدد أن القيادات السياسية التونسية منذ الإستقلال اختارت - عكس ما نجده عند نظيرتها الجزائرية – ألا تطلق كلمة «الوطنية» كنعت للغة العربية كما تفعل ذلك بالنسبة للعديد من المؤسسات والشركات والبنوك ... الحكومية التونسية ، فإن حرمان اللغة العربية من نعت «وطنية» يفقدها الكثير من مكانتها ومشروعيتها في عمق بؤرة وعي التونسيين وممارستهم . إذ تكون بذلك اللغة العربية في تصورهم ووعيهم الشعوري واللاشعوري وكأنها ليست جزءا صميما من الوطنية التونسية . فالعلاقة الفاترة بين المتعلمين التونسيين ولغتهم العربية تفيد أن أجيال المتعلمين التونسيين المزدوجي اللغة والثقافة أو الأكثر تفرنسا لفترتي الاستعمار والاستقلال هي أجيال فاقدة لموقف الاعتزاز والحماس والشعور بالغيرة للدفاع بعفوية وقوة عن اللغة العربية . وفي المقابل تغلب على موقفهم العام من السيادة اللغوية حالة من اللامبالاة أو حتى العداوة السافرة لها عند البعض. يشيرذلك بالبنان إلى ضعف السيادة اللغوية لدى تلك الأجيال.
(يتبع)
٭ بقلم: الأستاذ الدكتور محمود الذوادي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.